وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِغَرْسِ الْأَشْجَارِ مَثَلًا امْتَنَعَ ذَلِكَ فِي مِثْلِ تَصْوِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَيَتَأَكَّدُ الْمَنْعُ بِمَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُضَاهِي صُورَةَ الْأَصْنَامِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فِي مَنْعِ التَّصْوِيرِ، وَقَدْ قَيَّدَ مُجَاهِدٌ صَاحِبَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازَ تَصْوِيرِ الشَّجَرِ بِمَا لَا يُثْمِرُ، وَأَمَّا مَا يُثْمِرُ فَأَلْحَقَهُ بِمَا لَهُ رُوحَ، قَالَ عِيَاضٌ: لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُ مُجَاهِدٍ، وَرَدَّهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ الصُّورَةَ لَمَّا أُبِيحَتْ بَعْدَ قَطْعِ رَأْسِهَا الَّتِي لَوْ قُطِعَتْ مِنْ ذِي الرُّوحِ لَمَا عَاشَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَةِ مَا لَا رُوحَ لَهُ أَصْلًا. قُلْتُ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ تَجْوِيزَ تَصْوِيرِ مَا لَهُ رُوحٌ بِجَمِيعِ أَعْضَائِهِ إِلَّا الرَّأْسَ فِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَأَظُنُّ مُجَاهِدًا سَمِعَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَاضِي فَفِيهِ فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، وَلْيَخْلُقُوا شَعِيرَةً فَإِنَّ فِي ذِكْرِ الذَّرَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا لَهُ رُوحٌ، وَفِي ذِكْرِ الشَّعِيرَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَنْبُتُ مِمَّا يُؤْكَلُ، وَأَمَّا مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَلَا يُثْمِرُ فَلَا تَقَعُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ.
وَيُقَابِلُ هَذَا التَّشْدِيدَ مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ أَنَّ نَسْجَ الصُّورَةِ فِي الثَّوْبِ لَا يَمْتَنِعُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُلْبَسُ، وَطَرَدَهُ الْمُتَوَلِّي فِي التَّصْوِيرِ عَلَى الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ تَحْرِيمَ جَمِيعِ ذَلِكَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ تَصْوِيرِ مَا لَهُ ظِلٌّ وَمِنَ اتِّخَاذِهِ لُعَبُ الْبَنَاتِ لِمَا وَرَدَ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ. قُلْتُ: وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَاضِحًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.
٩٨ - بَاب الِارْتِدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ
٥٩٦٤ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد قال: حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الِارْتِدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ) أَيْ إِرْكَابُ رَاكِبِ الدَّابَّةِ خَلْفَهُ غَيْرَهُ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَشْكَلْتُ إِدْخَالَ هَذِهِ التَّرَاجِمِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الَّذِي يَرْتَدِفُ لَا يَأْمَنُ مِنَ السُّقُوطِ فَيَنْكَشِفُ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ احْتِمَالَ السُّقُوطِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الِارْتِدَافِ إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَتَحَفَّظُ الْمُرْتَدِفُ إِذَا ارْتَدَفَ مِنَ السُّقُوطِ، وَإِذَا سَقَطَ فَلْيُبَادِرْ إِلَى السَّتْرِ، وَتَلَقَّيْتُ فَهْمَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ الْآتِي فِي بَابِ إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ الرَّجُلِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْغَرَضُ الْجُلُوسُ عَلَى لِبَاسِ الدَّابَّةِ وَإِنْ تَعَدَّدَ أَشْخَاصُ الرَّاكِبِينَ عَلَيْهَا، وَالتَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْقَطِيفَةِ فِي الْحَدِيثِ الثَّامِنِ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (أَبُو صَفْوَانَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ الْأُمَوِيُّ.
قَوْلُهُ: (رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ تَقَدَّمَ أَصْلُهُ فِي الْعِلْمِ، وَيَأْتِي بِهَذَا السَّنَدِ فِي الِاسْتِئْذَانِ ثُمَّ فِي الرِّقَاقِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الِارْتِدَافِ.
٩٩ - بَاب الثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ
٥٩٦٥ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَرْكَبَ ثَلَاثَةٌ عَلَى دَابَّةٍ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ