للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ وَلَكِنَّ عَائِشَةَ لَا تَطِيبُ نَفْسًا لَهُ بِخَيْرٍ وَلِابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَكِنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَذْكُرَهُ بِخَيْرٍ وَلَمْ يَقِفِ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِعِبَارَةٍ شَنِيعَةٍ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ تَنَطَّعَ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ ذَلِكَ بِعَائِشَةَ، وَرَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا أَبْهَمَتِ الثَّانِيَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي جَمِيعِ الْمَسَافَةِ إِذْ كَانَ تَارَةً يَتَوَكَّأُ عَلَى الْفَضْلِ وَتَارَةً عَلَى أُسَامَةَ وَتَارَةً عَلَى عَلِيٍّ، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْآخَرُ هُوَ الْعَبَّاسُ، وَاخْتُصَّ بِذَلِكَ إِكْرَامًا لَهُ، وَهَذَا تَوَهُّمٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ جَازِمٌ بِأَنَّ الْمُبْهَمَ عَلِيٌّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَدَعْوَى وُجُودِ الْعَبَّاسِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَالَّذِي يَتَبَدَّلُ غَيْرُهُ مَرْدُودَةٌ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ عَاصِمٍ الَّتِي قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهَا وَغَيْرُهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعَبَّاسَ لَمْ يَكُنْ فِي مَرَّةٍ وَلَا فِي مَرَّتَيْنِ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا مَضَى تَقْدِيمُ أَبِي بَكْرٍ، وَتَرْجِيحُهُ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَفَضِيلَةُ عُمَرَ بَعْدَهُ، وَجَوَازُ الثَّنَاءِ فِي الْوَجْهِ لِمَنْ أُمِنَ عَلَيْهِ الْإِعْجَابُ، وَمُلَاطَفَةُ النَّبِيِّ لِأَزْوَاجِهِ وَخُصُوصًا لِعَائِشَةَ، وَجَوَازُ مُرَاجَعَةِ الصَّغِيرِ الْكَبِيرَ، وَالْمُشَاوَرَةُ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ، وَالْأَدَبُ مَعَ الْكَبِيرِ لِهَمِّ أَبِي بَكْرٍ بِالتَّأَخُّرِ عَنِ الصَّفِّ، وَإِكْرَامِ الْفَاضِلِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَأَخَّرَ حَتَّى يَسْتَوِيَ مَعَ الصَّفِّ فَلَمْ يَتْرُكْهُ النَّبِيُّ يَتَزَحْزَحُ عَنْ مَقَامِهِ.

وفِيهِ أَنَّ الْبُكَاءَ وَلَوْ كَثُرَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ حَالَ أَبِي بَكْرٍ فِي رِقَّةِ الْقَلْبِ وَكَثْرَةِ الْبُكَاءِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ، وَلَا نَهَاهُ عَنِ الْبُكَاءِ، وَأَنَّ الْإِيمَاءَ يَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ، وَاقْتِصَارُ النَّبِيِّ عَلَى الْإِشَارَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِضَعْفِ صَوْتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ مُخَاطَبَةَ مَنْ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ أَوْلَى مِنَ النُّطْقِ، وَفِيهِ تَأْكِيدُ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَخْذُ فِيهَا بِالْأَشَدِّ وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ يُرَخِّصُ فِي تَرْكِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْأَشَدِّ وَإِنْ كَانَتِ الرُّخْصَةُ أَوْلَى، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعْذُرَ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ نَفْسَهُ بِأَدْنَى عُذْرٍ فَيَتَخَلَّفُ عَنِ الْإِمَامَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إِفْهَامَ النَّاسِ أَنَّ تَقْدِيمَهُ لِأَبِي بَكْرٍ كَانَ لِأَهْلِيَّتِهِ لِذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُ صَلَّى خَلْفَهُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِصَنِيعِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ قَصَدَ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ زَحَمَ عَنِ الصَّفِّ، وَعَلَى جَوَازِ ائْتِمَامِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِبَعْضٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَاخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَيَأْتِي، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا كَانَ مُبَلِّغًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ التَّكْبِيرَ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَلَى هَذَا، فَمَعْنَى الِاقْتِدَاءُ اقْتِدَاؤُهُمْ بِصَوْتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ

- كَانَ جَالِسًا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا فَكَانَ بَعْضُ أَفْعَالِهِ يَخْفَى عَلَى بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ فَمِنْ ثَمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ كَالْإِمَامِ فِي حَقِّهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهِ اتِّبَاعُ صَوْتِ الْمُكَبِّرِ، وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْمُسْتَمِعِ وَالسَّامِعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي صِحَّتِهِ تَقَدُّمَ إِذْنِ الْإِمَامِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الطَّبَرِيُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَيَقْتَدِيَ هُوَ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ. وَعَلَى جَوَازِ إِنْشَاءِ الْقُدْوَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى جَوَازِ تَقَدُّمِ إِحْرَامِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ قَطَعَ الْقُدْوَةَ وَائْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَابْتَدَأَ النَّبِيُّ الْقِرَاءَةَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ قَائِمًا خَلْفَ الْقَاعِدِ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ مُطْلَقًا وَلِأَحْمَدَ حَيْثُ أَوْجَبَ الْقُعُودَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ الْقَاعِدِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٤٠ - بَاب الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ

٦٦٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ