حَتَّى يَبْلُغَ الذَّكَرُ أَوْ تَتَزَوَّجَ الْأُنْثَى، ثُمَّ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْأَبِ إِلَّا إِنْ كَانُوا زَمْنَى، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْأَبِ.
وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ بِالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: تَقُولُ الْمَرْأَةُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِهِ: فَقِيلَ: مَنْ أَعُولُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: امْرَأَتَكَ، الْحَدِيثَ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ بِهِ، وَفِيهِ: فَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةُ: مَنْ تَعُولُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَغَفَلَ عَنِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَرَجَّحَ مَا فَهِمَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْمَرْأَةُ تَقُولُ لِزَوْجِهَا: أَطْعِمْنِي وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي حِفْظِ عَاصِمٍ شَيْئًا، وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ، وَكَذَا وَقَعَ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِسَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تَقُولُ امْرَأَتُكَ إِلَخْ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ: لَا هَذَا مِنْ كِيسٍ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْمَذْكُورَةِ: قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، شَيْءٌ تَقُولُ مِنْ رَأْيكِ، أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: هَذَا مِنْ كِيسِي وَقَوْلُهُ: مِنْ كِيسِي هُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ لِلْأَكْثَرِ، أَيْ: مِنْ حَاصِلِهِ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مِنَ اسْتِنْبَاطِهِ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ مَعَ الْوَاقِعِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِ الْكَافِ، أَيْ: مِنْ فِطْنَتِهِ.
قَوْلُهُ: (تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِسَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ: إِمَّا أَنْ تُنْفِقَ عَلَيَّ.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: وَيَقُولُ خَادِمُكَ: أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ الِابْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ: تَكِلُنِي وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْأَوْلَادِ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَقُولُ: إِلَى مِنْ تَدَعُنِي؟ إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَا يَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ سِوَى نَفَقَةِ الْأَبِ، وَمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ أَوْ مَالٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَوْلِ ذَلِكَ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي مَنْ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ إِذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ وَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ، وَتَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِذِمَّتِهِ. وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾ وَأَجَابَ الْمُخَالِفُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفِرَاقُ وَاجِبًا لَمَا جَازَ الْإِبْقَاءُ إِذَا رَضِيَتْ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْقَاءِ إِذَا رَضِيَتْ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى عُمُومِ النَّهْيِ. وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةً مِنَ التَّابِعِينَ قَالُوا: نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يُطَلِّقُ، فَإِذَا كَادَتِ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي رَاجَعَ، وَالْجَوَابُ أَنَّ مِنْ قَاعِدَتِهِمْ: أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. حَتَّى تَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ اتْرُكْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْإِشَارَةِ بِالْأَيْدِي فِي التَّشَهُّدِ بِالسَّلَامِ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَهُنَا تَمَسَّكُوا بِالسَّبَبِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّ مَنْ أَعْسَرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ اتِّفَاقًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٣ - بَاب حَبْسِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَاتُ الْعِيَالِ؟
٥٣٥٧ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ: قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ، أَوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرْنِي، ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ ﵁، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute