للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَلِفُ وَالنُّونُ لِلْمُبَالَغَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ: هَلْ هِيَ نِسْبَةٌ إِلَى الرَّبِّ أَوْ إِلَى التَّرْبِيَةِ، وَالتَّرْبِيَةُ عَلَى هَذَا لِلْعِلْمِ، وَعَلَى مَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ لِتَعَلُّمِهِ. وَالْمُرَادُ بِصِغَارِ الْعِلْمِ مَا وَضَحَ مِنْ مَسَائِلِهِ، وَبِكِبَارِهِ مَا دَقَّ مِنْهَا. وَقِيلَ: يُعَلِّمُهُمْ جُزْئِيَّاتِهِ قَبْلَ كُلِّيَّاتِهِ، أَوْ فُرُوعَهُ قَبْلَ أُصُولِهِ، أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ قَبْلَ مَقَاصِدِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: لَا يُقَالُ لِلْعَالِمِ رَبَّانِيٌّ حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا مُعَلِّمًا عَامِلًا.

(فَائِدَةٌ): اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُورِدَ حَدِيثًا مَوْصُولًا عَلَى شَرْطِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيَّضَ لَهُ لِيُورِدَ فِيهِ مَا يَثْبُتُ عَلَى شَرْطِهِ، أَوْ يَكُونَ تَعَمَّدَ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١١ - بَاب مَا كَانَ النَّبِيُّ Object يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا

٦٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قال: أخبرنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ Object يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.

[الحديث ٦٨ - طرفاه في: ٦٤١١، ٧٠]

قَوْلُهُ: (بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ Object يَتَخَوَّلُهُمْ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ يَتَعَهَّدُهُمْ، وَالْمَوْعِظَةُ النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ، وَعَطْفُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَشْمَلُ الْمَوْعِظَةَ وَغَيْرَهَا، وَإِنَّمَا عَطَفَهُ؛ لِأَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ فِي الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ الْعِلْمَ اسْتِنْبَاطًا.

قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَنْفِرُوا) اسْتَعْمَلَ فِي التَّرْجَمَةِ مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ سَاقَهُمَا، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ تَفْسِيرَ السَّآمَةِ بِالنُّفُورِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ ظَاهِرَةٌ مِنْ جِهَةِ مَا حَكَاهُ أَخِيرًا مِنْ تَفْسِيرِ الرَّبَّانِيِّ، كَمُنَاسَبَةِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ تَشْدِيدِ أَبِي ذَرٍّ فِي أَمْرِ التَّبْلِيغِ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ. وَغَالِبُ أَبْوَابِ هَذَا الْكِتَابِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهَا وَالتَّأَمُّلُ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، لَكِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيَّ وَإِنْ كَانَ يَرْوِي عَنِ السُّفْيَانَيْنِ، فَإِنَّهُ حِينَ يُطْلِقُ يُرِيدُ بِهِ الثَّوْرِيُّ، كَمَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ حَيْثُ يُطْلِقُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ لَا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الْفِرْيَابِيَّ وَإِنْ كَانَ يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْبَيْكَنْدِيِّ أَيْضًا. وَقَدْ وَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ هُنَا الْبَيْكَنْدِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَةِ: سَمِعْتُ شَقِيقًا وَهُوَ أَبُو وَائِلٍ. وَأَفَادَ هَذَا التَّصْرِيحُ رَفْعَ مَا يُتَوَهَّمُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ: قَالَ الْأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ، فَقَدْ يُوهِمُ هَذَا أَنَّ الْأَعْمَشَ دَلَّسَهُ أَوَّلًا عَنْ شَقِيقٍ، ثُمَّ سَمَّى الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي وَائِلٍ بِلَا وَاسِطَةٍ وَسَمِعَهُ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ، وَأَرَادَ بِذِكْرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَازِلَةً تَأْكِيدَهُ، أَوْ لِيُنَبِّهَ عَلَى عِنَايَتِهِ بِالرِّوَايَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سَمِعَهُ نَازِلًا فَلَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ حَتَّى سَمِعَهُ عَالِيًا، وَكَذَا صَرَّحَ الْأَعْمَشُ بِالتَّحْدِيثِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ. وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَيُذَكِّرَهُمْ، وَأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ قَالَ: أَمَا إِنِّي أَخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ. . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (كَانَ يَتَخَوَّلُنَا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْخَائِلُ بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ الْقَائِمُ الْمُتَعَهِّدُ لِلْمَالِ، يُقَالُ: خَالَ الْمَالَ يَخُولُهُ تَخَوُّلًا إِذَا تَعَهَّدَهُ وَأَصْلَحَهُ. وَالْمَعْنَى كَانَ يُرَاعِي الْأَوْقَاتَ فِي تَذْكِيرِنَا، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ لِئَلَّا نَمَلَّ. وَالتَّخَوُّنُ بِالنُّونِ أَيْضًا، يُقَالُ: تَخَوَّنَ الشَّيْءَ إِذَا تَعَهَّدَهُ وَحَفِظَهُ، أَيِ: اجْتَنَبَ الْخِيَانَةَ فِيهِ، كَمَا قِيلَ فِي تَحَنَّثَ وَتَأَثَّمَ وَنَظَائِرِهِمَا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَبَا عَمْرِو