أَتَتَبَّعُ بِهَا الْفَسَاطِيطَ أَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُونُوا حَضَرُوا خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ عَرَفَةَ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ) هُوَ مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ وَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي مَنْعِهِمْ دُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدُوا الْحَجَّ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَجُّ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ صَرَّحَ لَهُمْ بِالْمَنْعِ مِنْهُ فَيَكُونُ مَا وَرَاءَهُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُنَا الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَإِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ، النَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ كِلَاهُمَا عَنْهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ رَجَعَ مِنْ عُمْرَةِ الْجِعِرَّانَةِ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ، فَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَرْجِ ثَوَّبَ بِالصُّبْحِ، فَسَمِعَ رَغْوَةَ نَاقَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِذَا عَلِيٌّ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ: أَمِيرٌ أَوْ رَسُولٌ؟ فَقَالَ: بَلْ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَرَاءَةٍ أَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرَوِّيَةِ بِيَوْمٍ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ بِمَنَاسِكِهِمْ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَامَ عَلِيٌّ فَقَرَأَ عَلَى النَّاسِ بَرَاءَةً حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَوْمُ النَّفَرِ كَذَلِكَ فَيُجْمَعُ بِأَنَّ عَلِيًّا قَرَأَهَا كُلَّهَا فِي الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ فَكَانَ يُؤَذِّنُ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ إِلَخْ، وَكَانَ يَسْتَعِينُ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فِي
الْأَذَانِ بِذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَامَ عَلِيٌّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى: ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ بَرِيئَةٌ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ، ﴿فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ وَلَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، فَكَانَ عَلِيٌّ يُنَادِي بِهَا، فَإِذَا بُحَّ قَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَنَادَى بِهَا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ بِبَرَاءَةٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَا الْحُلَيْفَةِ قَالَ: لَا يُبَلِّغُهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَلِيٍّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ يَعْلَى عِنْدَ أَحْمَدَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ بَرَاءَةٍ بَعَثَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِيَقْرَأَهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ: أَدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ فَحَيْثُمَا لَقِيتَهُ فَخُذْ مِنْهُ الْكِتَابَ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ لَنْ يُؤَدِّيَ - أَوْ لَكِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ: لَا يُؤَدِّي - عَنْكَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْكَ، قَالَ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ مِنْ فَوْرِهِ، بَلِ الْمُرَادُ رَجَعَ مِنْ حَجَّتِهِ، قُلْتُ: وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَشْرُ آيَاتٍ فَالْمُرَادُ أَوَّلُهَا: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾
٤ - بَاب: ﴿إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
٤٦٥٧ - حَدَّثَني إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَنْ لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، فَكَانَ حُمَيْدٌ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ) هُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمِزِّيُّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَيِ ابْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَصَالِحٌ هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute