وَبَعْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ضَمَّ قِصَّةً إِلَى أُخْرَى. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّ عُمَرَ قَامَتْ عِنْدَهُ أَنَفَةٌ مِنْ أَنْ يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلَى حُرُمِ النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلَهُ أَنْ يَحْجُبَهُنَّ فَلَمَّا نَزَلَ الْحِجَابُ كَانَ قَصْدُهُ أَنْ لَا يَخْرُجْنَ أَصْلًا فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فَأَذِنَ لَهُنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ لِحَاجَتِهِنَّ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا.
قَالَ عِيَاضٌ: خُصَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ بِسَتْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَاخْتُلِفَ فِي نَدْبِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِنَّ قَالُوا: فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ كَشْفُ ذَلِكَ لِشَهَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ إِبْرَازُ أَشْخَاصِهِنَّ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إِلَّا فِيمَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْبَرَازِ، وَقَدْ كُنَّ إِذَا حَدَّثْنَ جَلَسْنَ لِلنَّاسِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَإِذَا خَرَجْنَ لِحَاجَةٍ حُجِبْنَ وَسُتِرْنَ انْتَهَى.
وَفِي دَعْوَى وُجُوبِ حَجْبِ أَشْخَاصِهِنَّ مُطْلَقًا إِلَّا فِي حَاجَةِ الْبَرَازِ نَظَرٌ، فَقَدْ كُنَّ يُسَافِرْنَ لِلْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَفِيهِ بُرُوزُ أَشْخَاصِهِنَّ، بَلْ وَفِي حَالَةِ الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي خُرُوجِهِنَّ إِلَى الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ.
(تَنْبِيهٌ) حَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ قِصَّةَ سَوْدَةَ هَذِهِ لَا تَدْخُلُ فِي بَابِ الْحِجَابِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي لِبَاسِ الْجَلَابِيبِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِرْخَاءَ الْجَلَابِيبِ هُوَ السَّتْرُ عَنْ نَظَرِ الْغَيْرِ إِلَيْهِنَّ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْحِجَابِ.
١١ - بَاب الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ
٦٢٤١ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَفِظْتُهُ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَعَ النَّبِيِّ ﷺ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ.
٦٢٤٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ
[الحديث ٦٢٤٢ - طرفاه في ٦٨٨٩، ٦٩٠٠]
قَوْلُهُ: (بَابُ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ) أَيْ شُرِعَ مِنْ أَجْلِهِ، لِأَنَّ الْمُسْتَأْذِنَ لَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَرَأَى بَعْضَ مَا يَكْرَهُ مَنْ يَدْخُلُ إِلَيْهِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ رَفَعَهُ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَوْفِ بَيْتٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ؛ أَيْ صَارَ فِي حُكْمِ الدَّاخِلِ، وَلِلْأَوَّلَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ رَفَعَهُ: إِذَا دَخَلَ الْبَصَرُ فَلَا إِذْنَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ مَلَأَ عَيْنَهُ مِنْ قَاعِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَقَدْ فَسَقَ.
قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَتْ عَادَةُ سُفْيَانَ كَثِيرًا حَذْفَ الصِّيغَةِ فَيَقُولُ: فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، لَا يَقُولُ: حَدَّثَنَا وَلَا أَخْبَرَنَا وَلَا عَنْ، وَقَوْلُهُ: حَفِظْتُهُ كَمَا أَنَّكَ هَهُنَا، هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، لَكِنْ قَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالُوا: عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَا: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي