للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَمْتَدَّ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَذَانِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَخَّرَهَا إِلَى أَنْ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَذِهِ الْمُسَاوَاةِ ظُهُورُ الظِّلِّ بِجَنْبِ التَّلِّ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فَسَاوَاهُ فِي الظُّهُورِ لَا فِي الْمِقْدَارِ، أَوْ يُقَالُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ فَلَعَلَّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا مَعَ الْعَصْرِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَفَيَّأُ: يَتَمَيَّلُ) أَيْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ﴾ مَعْنَاهُ يَتَمَيَّلُ، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْفَيْءَ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ظِلٌّ مَائِلٌ مِنْ جِهَةٍ إِلَى أُخْرَى، وَتَتَفَيَّأُ فِي رِوَايَتِنَا بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَيِ الظِّلَالُ، وَقُرِئَ أَيْضًا بِالتَّحْتَانِيَّةِ، أَيِ الشَّيْءُ، وَالْقِرَاءَتَانِ شَهِيرَتَانِ. وَهَذَا التَّعْلِيقُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَكَرِيمَةَ، وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ.

١١ - بَاب وَقْتُ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ

وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ النَّبِيُّ يُصَلِّي بِالْهَاجِرَةِ

٥٤٠ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ. فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا. فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي. فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ، ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي. فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ.

قَوْلُهُ: (بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ (وَقْتُ الظُّهْرِ) أَيِ ابْتِدَاؤُهُ (عِنْدَ الزَّوَالِ) أَيْ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَهُوَ مَيْلُهَا إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ. وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا سَيَأْتِي. وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ الْفُقَهَاءَ بِأَسْرِهِمْ عَلَى خِلَافِ مَا نُقِلَ عَنِ الْكَرْخِيِّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ تَقَعُ نَفْلًا، انْتَهَى. وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَضْعِيفُ هَذَا الْقَوْلِ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَوَّلَ الظُّهْرِ إِذَا صَارَ الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ جَابِرٌ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ بِلَفْظِ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْهَاجِرَةُ اشْتِدَادُ الْحَرِّ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنَ الْهَجْرِ وَهُوَ التَّرْكُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتْرُكُونَ التَّصَرُّفَ حِينَئِذٍ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَيَقِيلُونَ.

وحَدِيثُ أَنَسٍ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ فِي بَابِ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِهِ مُسْتَوْعَبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ.

قَوْلُهُ: (زَاغَتْ) أَيْ مَالَتْ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ زَالَتْ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا صَدْرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ زَوَالَ الشَّمْسِ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ، إِذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَكَانَ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ جَوَّزَ صَلَاةَ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ مِثْلَهُ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ.

قَوْلُهُ: (فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، أَيْ جَانِبِهِ أَوْ وَسَطِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ) أَيِ الْمَرْئِيِّ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ.