رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ.
قَوْلُهُ: (الَّتِي تُوَفِّيَ فِيهَا) ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ تَحْتَ أَقْدَامِ الْخَيْلِ، وَيُغَيَّبَ مَوْضِعُ قَبْرِهِ، فَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ جِدَارِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ.
قَوْلُهُ: (عَلَيْهِمْ) أَيْ كَانَ أَمِيرًا، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ، وَقِيلَ: بَعْدَهَا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَوَصَلُوا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ حَتَّى حَاصَرُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ.
قَوْلُهُ: (فَأَنْكَرَهَا عَلَيَّ) قَدْ بَيَّنَ أَبُو أَيُّوبَ وَجْهَ الْإِنْكَارِ، وَهُوَ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ نَفْيِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ، وَأمَا الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ اسْتَشْكَلَ قَوْلَهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ النَّارَ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. لِأَنَّ ظَاهِرَهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ النَّارَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِآيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَحَادِيثَ شَهِيرَةٍ مِنْهَا أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ، لَكِنَّ الْجَمْعَ يُمْكِنُ بِأَنْ يُحْمَلَ التَّحْرِيمُ عَلَى الْخُلُودِ، وَقَدْ وَافَقَ مَحْمُودًا عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عِتْبَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ، وَهُوَ مُتَابِعٌ قَوِيٌّ جِدًّا، وَكَأَنَّ الْحَامِلَ لِمَحْمُودٍ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى عِتْبَانَ لِيَسْمَعَ الْحَدِيثَ مِنْهُ ثَانِي مَرَّةٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ اتَّهَمَ نَفْسَهُ بِأَنْ يَكُونَ مَا ضَبَطَ الْقَدْرَ الَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَنِعَ بِسَمَاعِهِ عَنْ عِتْبَانَ ثَانِي مَرَّةٍ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى أَقْفِلَ) بِقَافٍ وَفَاءٍ؛ أَيْ أَرْجِعَ، وَزْنًا وَمَعْنًى.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَتْ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ، وَفِيهِ مَا تَرْجَمَ لَهُ هُنَا، وَهُوَ صَلَاةُ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَؤُمَّ النَّفَرَ فِي النَّافِلَةِ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَهِرًا، وَيُجْمَعَ لَهُ النَّاسُ فَلَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ لِمَا يَخْشَى مِنْ أَنْ يَظُنَّ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ فَرِيضَةٌ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِيَامَ رَمَضَانَ لِاشْتِهَارِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ ﵃، وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا تَقَدَّمَ بَعْضُهُ مَبْسُوطًا، وَمُلَاطَفَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالْأَطْفَالِ، وَذِكْرُ الْمَرْءِ مَا فِيهِ مِنَ الْعِلَّةِ مُعْتَذِرًا، وَطَلَبُ عَيْنِ الْقِبْلَةِ، وَأَنَّ الْمَكَانَ الْمُتَّخَذَ مَسْجِدًا مِنَ الْبَيْتِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مالكِ صَاحِبِهِ، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنِ اسْتِيطَانِ الرَّجُلِ مَكَانًا إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْعَامِّ، وَفِيهِ عَيْبُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْكَبِيرِ، وَأَنَّ مَنْ عِيبَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْهُ لَا يُعَدُّ غِيبَةً، وَأَنَّ ذِكْرَ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ عَلَى جِهَةِ التَّعْرِيفِ جَائِزٌ، وَأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَافٍ فِي إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ اسْتِثْبَاتُ طَالِبِ الْحَدِيثِ شَيْخَهُ عَمَّا حَدَّثَهُ بِهِ إِذَا خَشِيَ مِنْ نِسْيَانِهِ، وَإِعَادَةُ الشَّيْخِ الْحَدِيثَ، وَالرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
٣٧ - بَاب التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ
١١٨٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا. تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ نَافِعٍ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ) يَعْنِي الثَّقَفِيَّ، عَنْ أَيُّوبَ، وَهَذِهِ الْمُتَابَعَةُ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْهُ بِلَفْظِ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا.