لَا يَقُولُونَ بِامْتِنَاعِ إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَتِ الطَّرِيقُ صَحِيحَةً عِنْدَهُمْ لَزِمَهُمُ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: احْتَجَّ أَبُو أَيُّوبَ (١) مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بِأَنَّا أَجَزْنَا جَمِيعًا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ سَفَرًا وَاحِدًا وَإِحْرَامًا وَاحِدًا وَتَلْبِيَةً وَاحِدَةً فَكَذَلِكَ يُجْزِي عَنْهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا خَالَفَا فِي ذَلِكَ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ. وَفِي هَذَا الْقِيَاسِ مَبَاحِثُ كَثِيرَةٌ لَا نُطِيلُ بِهَا. وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ ﷺ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَلَفَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَتْ فِيهِ إِلَى عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِ عَمَلِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي ذَلِكَ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي أَبْوَابِ الْمُحْصِرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَنُنَبِّهُ هُنَاكَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (لَا آمَنُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْخَفِيفَةِ أَيْ أَخَافُ، وَلِلْمُسْتَمْلِي لَا أَيْمَنُ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ فَقِيلَ: إِنَّهَا إِمَالَةٌ، وَقِيلَ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ وَهِيَ عِنْدَهُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ حِيلَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَإِنْ يُحَلْ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامُ سَاكِنَةٌ، وَقَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ أَيِ الَّذِي طَافَهُ يَوْمَ النَّحْرِ لِلْإِفَاضَةِ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَرَادَ طَوَافَ الْقُدُومِ فَحَمَلَهُ عَلَى السَّعْيِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إِذَا وَصَلَ بِالسَّعْيِ يُجْزِئُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِمَنْ تَرَكَهُ جَاهِلًا أَوْ نَسِيَهُ حَتَّى رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ غَيْرَهُ وَغَيْرَ أَصْحَابِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ طَوَافُهُ الْأَوَّلُ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنَّهُ أَجْزَأَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى الْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَا بِقَيْدِ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ لَا إِذَا حَمَلْنَا قَوْلَهُ طَوَافُهُ الْأَوَّلُ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ عَلَى السَّعْيِ، وَيُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الثَّانِي حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ ﷺ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافَهُ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ هُنَا عَقِبَ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ تَعْلِيَةُ السَّنَدِ الْمَذْكُورِ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ وَلَفْظُهُ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالَا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ مِثْلَهُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ هَذَا إِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَمْلِي فَقَدْ سَقَطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ رُمْحٍ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَعْقِلٍ النَّسَفِيَّ الرَّاوِيَ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٧٨ - بَاب الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ
١٦٤١ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ ﷺ، فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ ﵂ أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ ﵁ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ عُمَرُ ﵁ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ ﵁، فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ،
(١) في هامش طبعة بولاق: في نسخة "أبو ثور"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute