جُزْءًا ضَخْمًا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقِصَّةِ عُمَرَ هَذِهِ، وَبِقِصَّةِ رَاكِبِ الْبَدَنَةِ، وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي أَنَّهُ ﷺ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ وَرَدَّهَا إِلَيْهِ بِالشَّرْطِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي النِّكَاحِ. وَبِقِصَّةِ عُثْمَانَ الْآتِيَةِ بَعْدَ أَبْوَابٍ.
وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: سَبِّلِ الثَّمَرَةَ، وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ تَمْلِيكُهَا لِلْغَيْرِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَمْلِيكِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ، وَمَنْعُهُ تَمْلِيكَهُ لِنَفْسِهِ إِنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَالْفَائِدَةُ فِي الْوَقْفِ حَاصِلَةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ إِيَّاهُ مِلْكًا غَيْرُ اسْتِحْقَاقِهِ إِيَّاهُ وَقْفًا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا ذَكَرَ لَهُ مَالًا آخَرَ؛ فَإِنَّهُ حُكْمٌ آخَرُ يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَطَ لِنَاظِرِ وَقْفِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِقَدْرِ عِمَالَتِهِ، وَلِذَلِكَ مَنَعَهُ أَنْ يَتَّخِذَ لِنَفْسِهِ مِنْهُ مَالًا، فَلَوْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الِاتِّخَاذِ، وَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا لَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَكَانَ يَسْتَحِقُّهُ لِقِيَامِهِ، وَهَذَا عَلَى أَرْجَحِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوَاقِفَ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ لِلنَّاظِرِ قَدْرَ عَمَلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَلَوِ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ لِنَفْسِهِ النَّظَرَ وَاشْتَرَطَ أُجْرَةً فَفِي صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ، كَالْهَاشِمِيِّ إِذَا عَمِلَ فِي الزَّكَاةِ هَلْ يَأْخُذُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ؟ وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ الْآتِي بَعْدُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَى الْوَارِثِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ رُدَّ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لَزِمَ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ النَّظَرَ بَعْدَهُ لِحَفْصَةَ، وَهِيَ مِمَّنْ يَرِثُهُ، وَجَعَلَ لِمَنْ وَلِيَ وَقْفَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ وَقْفَ عُمَرَ صَدَرَ مِنْهُ فِي حَيَاةِ
النَّبِيِّ ﷺ وَالَّذِي أَوْصَى بِهِ إِنَّمَا هُوَ شَرْطُ النَّظَرِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ إِذَا شَرَطَ لِلنَّاظِرِ شَيْئًا أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ، إِلَّا إِنْ دَخَلَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْوَقْفِ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَرَضُوا بِذَلِكَ جَازَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْوَقْفِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: حَبِّسِ الْأَصْلَ يُنَاقِضُ تَأْقِيتَهُ، وَعَنْ مَالِكٍ، وَابْنِ سُرَيْجٍ يَصِحُّ، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: لَا تُبَاعُ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ لَا يُنَاقَلُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ أَنَّهُ إِذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي غَيْرِهِ وَيُوقَفُ فِي مَا سُمِّيَ فِي الْأَوَّلِ، وَكَذَا إِنْ شَرَطَ الْبَيْعَ إِذَا رَأَى الْحَظَّ فِي نَقْلِهِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وَقْفِ الْمُشَاعِ، لِأَنَّ الْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي كَانَتْ لِعُمَرَ بِخَيْبَرَ لَمْ تَكُنْ مُنْقَسِمَةً.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا سِرَايَةَ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْوَقْفَ سَرَى مِنْ حِصَّةِ عُمَرَ إِلَى غَيْرِهَا مِنْ بَاقِي الْأَرْضِ، وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ حَكَمَ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٣٠ - بَاب وَقْفِ الْأَرْضِ لِلْمَسْجِدِ
٢٧٧٤ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ﵁ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ وَقْفِ الْأَرْضِ لِلْمَسْجِدِ) لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ لَا مَنْ أَنْكَرَ الْوَقْفَ وَلَا مَنْ نَفَاهُ، إِلَّا أَنَّ فِي الْجُزْءِ الْمُشَاعِ احْتِمَالًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: يَظْهَرُ أَنَّ وَقْفَ الْمُشَاعَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يَصِحُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute