بِأَنَّهُ أَبْهَمَهُ لَفْظًا وَعَيَّنَهُ إِشَارَةً، وَفِيهِ نَوْعُ رِفْقٍ بِهِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ.
تَنْبِيهٌ:
وَقَعَ هُنَا عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ وَهُوَ الْفِرْيَابِيُّ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ هُوَ الْبُخَارِيُّ يَقُولُ: إِذَا كَانَ الْقَوْمُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوا مِنْ مَائِدَةٍ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى، وَلَكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي تِلْكَ الْمَائِدَةِ أَوْ يَدَعُوا أَيْ يَتْرُكُوا، وَكَأَنَّهُ اسْتَنْبَطَ ذَلِكَ مِنِ اسْتِئْذَانِ النَّبِيِّ ﷺ الدَّاعِيَ فِي الرَّجُلِ الطَّارِئِ، وَوَجْهُ أَخْذِهِ مِنْهُ أَنَّ الَّذِينَ دُعُوا صَارَ لَهُمْ بِالدَّعْوَةِ عُمُومُ إِذْنٍ بِالتَّصَرُّفِ فِي الطَّعَامِ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُدْعَ فَيَتَنَزَّلُ مَنْ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ الشَّيْءُ مَنْزِلَةَ مَنْ دُعِيَ لَهُ أَوْ يُنَزَّلُ الشَّيْءُ الَّذِي وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ غَيْرِهِ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يُدْعَ إِلَيْهِ، وَأَغْفَلَ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِ مِنَ الشُّرَّاحِ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ
٣٥ - بَاب مَنْ أَضَافَ رَجُلًا إِلَى طَعَامٍ، وَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ
٥٤٣٥ - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ النَّضْرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى غُلَامٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَأَتَاهُ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ وَعَلَيْهِ دُبَّاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أَجْمَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَقْبَلَ الْغُلَامُ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ أَنَسٌ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَنَعَ مَا صَنَعَ.
قَوْلُهُ (بَابُ مَنْ أَضَافَ رَجُلًا وَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ) أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَى الدَّاعِي أَنْ يَأْكُلَ مَعَ الْمَدْعُوِّ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْخَيَّاطِ، وقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبُخَارِيُّ إِيرَادَهُ مِنْ رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. قُلْتُ: بَلْ لِتَرْجَمَتِهِ فَائِدَةٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ الْفَائِدَتَيْنِ الْإِسْنَادِيَّةِ وَالْمَتْنِيَّةِ، وَمَعَ اعْتِرَافِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِغَرَابَةِ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ فَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَزْهَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا أَعْلَمُ فِي اشْتِرَاطِ أَكْلِ الدَّاعِي مَعَ الضَّيْفِ إِلَّا أَنَّهُ أَبْسَطُ لِوَجْهِهِ، وَأَذْهَبُ لِاحْتِشَامِهِ، فَمَنْ فَعَلَ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي قِرَى الضَّيْفِ وَمَنْ تَرَكَ فَجَائِزٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ أَضْيَافِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمُ امْتَنَعُوا أَنْ يَأْكُلُوا حَتَّى يَأْكُلَ مَعَهُمْ وَأَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ.
٣٦ - بَاب الْمَرَقِ
٥٤٣٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا النَّبِيَّ ﷺ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَرَّبَ خُبْزَ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيْ الْقَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ.
قَوْلُهُ (بَابُ الْمَرَقِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُورَ قِيلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: فِي قِصَّةِ الْخَيَّاطِ رِوَايَاتٌ فِيمَا أَحْضُرُ، فَفِي بَعْضِهَا قَرَّبَ مَرَقًا وَفِي بَعْضِهَا قَدِيدًا وَفِي أُخْرَى خُبْزَ شَعِيرٍ وَفِي أُخْرَى ثَرِيدًا، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute