قَوْلُهُ: (بَابُ مِيرَاثِ السَّائِبَةِ) بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ بِوَزْنِ فَاعِلَةٍ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا فِي التَّرْجَمَةِ الْعَبْدُ الَّذِي يَقُولُ لَهُ سَيِّدُهُ: لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ أَوْ أَنْتَ سَائِبَةٌ، يُرِيدُ بِذَلِكَ عِتْقَهُ، وَأَنْ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَقَدْ يَقُولُ لَهُ أَعْتَقْتُكَ سَائِبَةً أَوْ أَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةً، فَفِي الصِّيغَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ يُفْتَقَرُ فِي عِتْقِهِ إِلَى نِيَّةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ يُعْتَقُ، وَاخْتُلِفَ فِي الشَّرْطِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ وَشَذَّ مَنْ قَالَ بِإِبَاحَتِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي وَلَائِهِ، وَسَأُبَيِّنُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (عَنْ هُزَيْلٍ) فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ الْعَدَنِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: حَدَّثَنِي هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ وَهُوَ بِالزَّايِ مُصَغَّرٌ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَأَنَّ سُفْيَانَ فِي السَّنَدِ هُوَ الثَّوْرِيُّ وَأَنَّ أَبَا قَيْسٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُسَيِّبُونَ، وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُونَ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِتَمَامِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِهِ هَذَا إِلَى هُزَيْلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنِّي أَعْتَقَتْ عَبْدًا لِي سَائِبَةً فَمَاتَ فَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ وَزَادَ وَأَنْتَ وَلِيُّ نِعْمَتِهِ فَلَكَ مِيرَاثُهُ، فَإِنْ تَأَثَّمْتَ أَوْ تَحَرَّجْتَ فِي شَيْءٍ فَنَحْنُ نَقْبَلُهُ وَنَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي رِوَايَةِ الْعَدَنِيِّ: فَإِنَّ تَحَرَّجْتَ وَلَمْ يَشُكَّ، وَقَالَ: فَأَرِنَا (١) نَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَمَعْنَى تَأَثَّمْتَ بِالْمُثَلَّثَةِ قَبْلَ الْمِيمِ: خَشِيتَ أَنْ تَقَعَ فِي الْإِثْمِ، وَتَحَرَّجْتَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْجِيمِ بِمَعْنَاهُ.
وَبِهَذَا الْحُكْمِ فِي السَّائِبَةِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ أَعْتَقَتْهُ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ سَائِبَةً وَقَالَتْ لَهُ: وَالِ مَنْ شِئْتَ، فَوَالَى أَبَا حُذَيْفَةَ، فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ دُفِعَ مِيرَاثُهُ لِلْأَنْصَارِيَّةِ أَوْ لِابْنِهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى بِمَالِ مَوْلًى لَهُ مَاتَ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا أَعْتَقْنَاهُ سَائِبَةً فَأَمَرَ أَنْ يُشْتَرَى بِثَمَنِهِ رِقَابًا فَتُعْتَقَ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ، وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ عَطَاءٌ فَقَالَ: إِذَا لَمْ يُخَلِّفِ السَّائِبَةُ وَارِثًا دُعِيَ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَإِنْ قَبِلَ مَالَهُ وَإِلَّا ابْتِيعَتْ بِهِ رِقَابٌ فَأُعْتِقَتْ، وَفِيهِ مَذْهَبٌ آخَرُ أَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ، قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْكُوفِيِّينَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَلَاءِ السَّائِبَةِ وَهِبَتِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَاتِّبَاعُ ظَاهِرِ قَوْلِهِ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَوْلَى.
قُلْتُ: وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِإِيرَادِ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ وَفِيهِ: فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَفِيهِ قَوْلُ الْأَسْوَدِ: إِنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.
٢١ - بَاب إِثْمِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيهِ
٦٧٥٥ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ ﵁: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ غَيْرَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ: فَأَخْرَجَهَا فَإِذَا فِيهَا أَشْيَاءُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ،
(١) كذا في النسخ بالراء، ولعله محرف من "فآذنا"