رَشِيدٍ: قَدْ يُؤْخَذُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ فِيمَا فَهِمَهُ مِنَ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى تُنْفِقُوا﴾ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا، فَعَمِلَ بِهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا فِي بَقِيَّةِ مُفْرَدَاتِهِ، وَلَا يُعَارِضُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ الْآيَةَ، لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْمَذْكُورِينَ. وَأَمَّا صَنِيعُ أَبِي طَلْحَةَ فَيَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ ذَوِي الْقُرْبَى إِذَا اتَّصَفُوا بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَنْ يُسْتَثْنَى مِنَ الْأَقَارِبِ فِي الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ بَعْدَ بَابَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ فِيهِ لِامْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَيَأْتِي مَوْصُولًا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ: حَدِيثُ أَنَسٍ فِي تَصَدُّقِ أَبِي طَلْحَةَ بِأَرْضِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْوَقْفِ.
وقَوْلُهُ فِيهِ: بَيْرَحَاءَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، وَجَاءَ فِي ضَبْطِهِ أَوْجُهٌ كَثِيرَةٌ جَمَعَهَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ، فَقَالَ: يُرْوَى بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَبِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، فَهَذِهِ ثَمَانِ لُغَاتٍ. وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بَرِيحَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى التَّحْتَانِيَّةِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: بَارِيحَا مِثْلُهُ لَكِنْ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَفْصَحُهَا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الصَّغَانِيُّ، وَقَالَ: إِنَّهُ فَيْعَلَى مِنَ الْبَرَاحِ، قَالَ: وَمَنْ ذَكَرَهُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَظَنَّ أَنَّهَا بِئْرٌ مِنْ آبَارِ الْمَدِينَةِ فَقَدْ صَحَّفَ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ رَوْحٌ) يَعْنِي عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: رَابِحٌ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَسَيَأْتِي مِنْ طَرِيقِهِ مَوْصُولًا فِي الْبُيُوعِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيلُ، عَنْ مَالِكٍ: رَايِحٌ) يَعْنِي بِالتَّحْتَانِيَّةِ، أَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى فَسَتَأْتِي مَوْصُولَةً فِي الْوَكَالَةِ وَعَزَاهَا مُغَلْطَايْ لِتَخْرِيجِ الدَّارَقُطْنِيِّ فَأَبْعَدَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ فَوَصَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ، وَقَدْ وَهِمَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فَقَالَ: رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى بِالْمُوَحَّدَةِ، وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَنْدَلُسِيُّ، بِالنَّيْسَابُورِيِّ، فَالَّذِي عَنَاهُ هُوَ الْأَنْدَلُسِيُّ وَالَّذِي عَنَاهُ الْبُخَارِيُّ، النَّيْسَابُورِيَّ، قَالَ الدَّانِيُّ فِي أَطْرَافِهِ: رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ بِالْمُثَنَّاةِ، وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ بِالشَّكِّ اهـ. وَرِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ وَصَلَهَا الْبُخَارِيُّ فِي الْأَشْرِبَةِ بِالشَّكِّ كَمَا قَالَ، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى وَاضِحَةٌ مِنَ الرِّبْحِ، أَيْ: ذُو رِبْحٍ، وَقِيلَ: هُوَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ: هُوَ مَالٌ مَرْبُوحٌ فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمَعْنَاهَا رَائِحٌ عَلَيْهِ أَجْرُهُ، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وَالْمَعْنَى أَنَّ مَسَافَتَهُ قَرِيبَةٌ، وَذَلِكَ أَنْفَسُ الْأَمْوَالِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَرُوحُ بِالْأَجْرِ وَيَغْدُو بِهِ، وَاكْتَفَى بِالرَّوَاحِ عَنِ الْغُدُوِّ. وَادَّعَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ مَنْ رَوَاهَا بِالتَّحْتَانِيَّةِ فَقَدْ صَحَّفَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى صَدْرِهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْحَيْضِ، وَبَقِيَّةُ مَا فِيهِ مِنْ قِصَّةِ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ بَابَيْنِ مُسْتَوْفًى، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ فِيهِ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ زَيْنَبُ الْقَائِلُ هُوَ بِلَالٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَوْلُهُ ائْذَنُوا لَهَا، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَخْ لَمْ يُبَيِّنْ أَبُو سَعِيدٍ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ، فَإِنْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ حَالَ الْمُرَاجَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ مِنْ مُسْنَدِهِ، وَإِلَّا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهُ عَنْ زَيْنَبَ صَاحِبَةِ الْقِصَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٤٥ - بَاب لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ
١٤٦٣ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute