للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ أَفْنِيَةِ الدُّورِ وَالْجُلُوسِ فِيهَا، وَالْجُلُوسِ عَلَى الصُّعُدَاتِ) أَمَّا الْأَفْنِيَةُ فَهِيَ جَمْعُ فِنَاءٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَقَدْ تُقْصَرُ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُتَّسِعُ أَمَامَ الدُّورِ، وَالتَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِجَوَازِ تَحْجِيرِهِ بِالْبِنَاءِ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَمَلُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاطِبِ فِي أَبْوَابِ الدُّورِ، وَالْجَوَازُ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الضَّرَرِ لِلْجَارِ وَالْمَارِّ، وَالصُّعُدَاتُ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ صُعُدٍ بِضَمَّتَيْنِ أَيْضًا وَقَدْ يُفْتَحُ أَوَّلُهُ، وَهُوَ جَمْعُ صَعِيدٍ كَطَرِيقٍ وَطُرُقَاتٍ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُرَادُ مِنَ الْفِنَاءِ. وَزَعَمَ ثَعْلَبٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّعُدَاتِ وَجْهُ الْأَرْضِ، وَيَلْتَحِقُ بِمَا ذَكَرَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الْحَوَانِيتِ وَفِي الشَّبَابِيكِ الْمُشْرِفَةِ عَلَى الْمَارِّ حَيْثُ تَكُونُ فِي غَيْرِ الْعُلُوِّ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَابْتَنَى أَبُو بَكْرٍ مَسْجِدًا. . . الْحَدِيثَ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْهِجْرَةِ بِطُولِهِ، وَمَضَى فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَتَرْجَمَ لَهُ: الْمَسْجِدُ يَكُونُ بِالطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ.

قَوْلُهُ: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِيرِ.

قَوْلُهُ: (والطُّرُقَاتِ) تُرْجِمَ بِالصُّعُدَاتِ، وَلَفْظُ الْمَتْنِ: الطُّرُقَاتِ إِشَارَةٌ إِلَى تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: الصُّعُدَاتِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: الطُّرُقَاتِ، وَزَادَ فِي الْمَتْنِ: وَإِرْشَادُ السَّبِيلِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ. وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ، وَزَادَ فِي الْمَتْنِ: وَإِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ.

قَوْلُهُ: (قَالُوا مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ) الْقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ أَبُو طَلْحَةَ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ رِوَايَتِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَتَيْتُمْ إِلَى الْمَجَالِسِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِإِلَى الَّتِي لِلْغَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ بِالْمُوَحَّدَةِ. وَقَالَ: إلَّا بِالتَّشْدِيدِ، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَإِلَّا الَّتِي هِيَ حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْمَجَالِسُ فِيهَا اسْتِعْمَالُ الْمَجَالِسِ بِمَعْنَى الْجُلُوسِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ لِئَلَّا يَضْعُفَ الْجَالِسُ عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِغَضِّ الْبَصَرِ إِلَى السَّلَامَةِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ بِمَنْ يَمُرُّ مِنَ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ، وَبِكَفِّ الْأَذَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ الِاحْتِقَارِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا، وَبِرَدِّ السَّلَامِ إِلَى إِكْرَامِ الْمَارِّ، وَبِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ إِلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ مَا يُشْرَعُ وَتَرْكِ جَمِيعِ مَا لَا يُشْرَعُ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِأَنَّ سَدَّ الذَّرَائِعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَا عَلَى الْحَتْمِ لِأَنَّهُ نَهَى أَوَّلًا عَنِ الْجُلُوسِ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ، فَلَمَّا قَالُوا: مَا لَنَا مِنْهَا بُدٌّ ذَكَرَ لَهُمُ الْمَقَاصِدَ الْأَصْلِيَّةَ لِلْمَنْعِ، فَعُرِفَ أَنَّ النَّهْيَ الْأَوَّلَ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْأَصْلَحِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ؛ لِنَدْبِهِ أَوَّلًا إِلَى تَرْكِ الْجُلُوسِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْأَجْرِ لِمَنْ عَمِلَ بِحَقِّ الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِطَلَبِ السَّلَامَةِ آكَدُ مِنَ الطَّمَعِ فِي الزِّيَادَةِ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى بَقِيَّةِ الْخِصَالِ الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٢٣ - باب الْآبَارِ التي عَلَى الطريقِ إِذَا لَمْ يُتَأَذَّ بِهَا

٢٤٦٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: بَيْنَما رَجُلٌ بِطَرِيقٍ فاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي. فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأ خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ.