النَّوَوِيُّ بِأَنَّ مَفْسَدَةَ تَوْرِيطِ الْمُسْلِمِ فِي الْمَعْصِيَةِ أَشَدُّ مِنْ تَرْكِ مَصْلَحَةِ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا وَامْتِثَالُ الْإِفْشَاءِ قَدْ حَصَلَ مَعَ غَيْرِهِ.
٩ - بَاب السَّلَامِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ
٦٢٣٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ.
٦٢٣٧ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ. وَذَكَرَ سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
قَوْلُهُ: (بَابُ السَّلَامِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ) أَيْ مَنْ يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ؛ أَيْ لَا يَخُصُّ بِالسَّلَامِ مَنْ يَعْرِفُهُ دُونَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ. وَصَدْرُ التَّرْجَمَةِ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ السَّلَامُ فِيهِ لِلْمَعْرِفَةِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِالْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي فِيهِ، وَأَنْ لَا يُسَلِّمَ إِلَّا عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ، وَلَفْظُ الطَّحَاوِيِّ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ السَّلَامَ لِلْمَعْرِفَةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي يَزِيدُ) هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ كَمَا ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) هُوَ مَرْثَدٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُثَلَّثَةِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ، تُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيتَهُ وَلَا تَخُصُّ ذَلِكَ بِمَنْ تَعْرِفُ، وَفِي ذَلِكَ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَاسْتِعْمَالُ التَّوَاضُعِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ شِعَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
قُلْتُ: وَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفِ احْتَمَلَ أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ مِنْ مَعَارِفِهِ، فَقَدْ يُوقِعُهُ فِي الِاسْتِيحَاشِ مِنْهُ، قَالَ: وَهَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِ، فَلَا يَبْتَدِئُ السَّلَامَ عَلَى كَافِرٍ. قُلْتُ: قَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَجَازَ ابْتِدَاءَ الْكَافِرِ بِالسَّلَامِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَشْرُوعِيَّةُ السَّلَامِ لِلْمُسْلِمِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: مَنْ عَرَفْتَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا: مِنْ لَمْ تَعْرِفْ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، بَلْ إِنْ عَرَفَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَوْ سَلَّمَ احْتِيَاطًا لَمْ يَمْتَنِعْ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مَشْرُوعِيَّةِ السَّلَامِ عَلَى غَيْرِ الْمَعْرِفَةِ اسْتِفْتَاحٌ لِلْمُخَاطَبَةِ لِلتَّأْنِيسِ لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ إِخْوَةً فَلَا يَسْتَوْحِشُ أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ، وَفِي التَّخْصِيصِ مَا قَدْ يُوقِعُ فِي الِاسْتِيحَاشِ، وَيُشْبِهُ صُدُودَ الْمُتَهَاجِرَيْنِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ.
وَأَوْرَدَ الطَّحَاوِيُّ فِي الْمُشْكِلِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِهِ، وَفِيهِ: فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ صَلَّى هُوَ وَصَاحِبُهُ -، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهَذَا لَا يُنَافِي حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَمِّ السَّلَامِ لِلْمَعْرِفَةِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو ذَرٍّ سَلَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ