للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْكَرَاهَةِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْبُخَارِيِّ: إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ إِزَارٌ فَيُسَلِّمُ وَإِلَّا فَلَا، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ هُنَاكَ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ. الْحَدِيثَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا السَّلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ فَيُكْرَهُ لِلْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ فَلَوْ سَلَّمَ لَمْ يَجِبِ الرَّدُّ عِنْدَ مَنْ قَالَ: الْإِنْصَاتُ وَاجِبٌ، وَيَجِبُ عِنْدَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ سُنَّةٌ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْمُشْتَغِلُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْأَوْلَى تَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِ فَإِنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ كَفَاهُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ، وَإِنْ رَدَّ لَفْظًا اسْتَأْنَفَ الِاسْتِعَاذَةَ وَقَرَأَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْرَعُ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالدُّعَاءِ مُسْتَغْرِقًا فِيهِ مُسْتَجْمِعَ الْقَلْبِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ كَالْقَارِئِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَتَنَكَّدُ بِهِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ مَشَقَّةِ الْأَكْلِ.

وَأَمَّا الْمُلَبِّي فِي الْإِحْرَامِ فَيُكْرَهُ أَنْ يُسَلَّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَطْعَهُ التَّلْبِيَةَ مَكْرُوهٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ مَعَ ذَلِكَ لَفْظًا أَنْ لَوْ سُلِّمَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَلَوْ تَبَرَّعَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِرَدِّ السَّلَامِ إِنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ فَيُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ آكِلًا وَنَحْوَهُ فَيُسْتَحَبُّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ مُصَلِّيًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ بِلَفْظِ الْمُخَاطَبَةِ كَعَلَيْكَ السَّلَامُ أَوْ عَلَيْكَ فَقَطْ، فَلَوْ فَعَلَ بَطَلَتْ إِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لَا إِنْ جَهِلَ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ أَتَى بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ لَمْ تَبْطُلْ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ بِالْإِشَارَةِ، وَإِنْ رَدَّ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ لَفْظًا فَهُوَ أَحَبُّ، وَإِنْ كَانَ مُؤَذِّنًا أَوْ مُلَبِّيًا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الرَّدُّ لَفْظًا لِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ لَا يُبْطِلِ الْمُوَالَاةَ.

وَقَدْ تَعَقَّبَ وَالِدِي فِي نُكَتِهِ عَلَى الْأَذْكَارِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ فِي الْقَارِئِ لِكَوْنِهِ يَأْتِي فِي حَقِّهِ نَظِيرَ مَا أَبْدَاهُ هُوَ فِي الدَّاعِي؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ قَدْ يَسْتَغْرِقُ فِكْرِهِ فِي تَدَبُّرِ مَعَانِي مَا يَقْرَؤُهُ، ثُمَّ اعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّ الدَّاعِيَ يَكُونُ مُهْتَمًّا بِطَلَبِ حَاجَتِهِ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ طَبْعًا، وَالْقَارِئُ إِنَّمَا يُطْلَبُ مِنْهُ التَّوَجُّهُ شَرْعًا فَالْوَسَاوِسُ مُسَلَّطَةٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ يُوَفَّقُ لِلْحَالةِ الْعَلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى نُدُورٍ، انْتَهَى.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ تَنَكُّدِ الدَّاعِي يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْقَارِئِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ إِذَا رَدَّ السَّلَامَ بِالْخِطَابِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَعَنِ الشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ حَقِيقَةَ الْخِطَابِ بَلِ الدُّعَاءَ، وَإِذَا عَذَرْنَا الدَّاعِيَ وَالْقَارِئَ بِعَدَمِ الرَّدِّ فَرَدَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ كَانَ مُسْتَحَبًّا.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقِرَاءَةِ أَوِ التَّسْبِيحِ أَوْ لِانْتِظَارِهِ الصَّلَاةَ لَا يُشْرَعُ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ سُلِّمَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبِ الْجَوَابُ، قَالَ: وَكَذَا الْخَصْمُ إِذَا سَلَّمَ عَلَى الْقَاضِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَكَذَلِكَ الْأُسْتَاذُ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ.

وَهَذَا الْأَخِيرُ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ إِفْشَاءِ السَّلَامِ، السَّلَامُ عَلَى النَّفْسِ لِمَنْ دَخَلَ مَكَانًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ الْآيَةَ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَيُسْتَحَبُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ كُلٍّ مِنْ عَلْقَمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ نَحْوَهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ مَرَّ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ السَّلَامُ وَلَا يَتْرُكُهُ لِهَذَا الظَّنِّ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِتَأْثِيمِ الْآخَرِ فَهُوَ غَبَاوَةٌ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُتْرَكُ بِمِثْلِ هَذَا، وَلَوْ أَعْمَلْنَا هَذَا لَبَطَلَ إِنْكَارُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ.

قَالَ: وَيَنْبَغِي لِمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ: رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَرُدَّ لِيَسْقُطَ عَنْكَ الْفَرْضُ، وَيَنْبَغِي إِذَا تَمَادَى عَلَى التَّرْكِ أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَرَجَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ الْمَقَالَةَ الَّتِي زَيَّفَهَا