عَلَى وَجْهِهِ غَيْرَ الصَّلَاةِ.
قَوْله (وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ) قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَالْمُرَادُ بِتَضْيِيعِهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ لَا أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهَا عَنِ الْوَقْتِ، كَذَا قَالَ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ مَعَ عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلتَّرْجَمَةِ مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْحَجَّاجَ وَأَمِيرَهُ الْوَلِيدَ وَغَيْرَهُمَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَخَّرَ الْوَلِيدُ الْجُمُعَةَ حَتَّى أَمْسَى فَجِئْتُ فَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ أَجْلِسَ ثُمَّ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ وَأَنَا جَالِسٌ إِيمَاءً وَهُوَ يَخْطُبُ. وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عَطَاءٌ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْقَتْلِ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي جُحَيْفَةَ فَمَسَّى الْحَجَّاجُ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ أَبُو جُحَيْفَةَ فَصَلَّى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ الْحَجَّاجِ، فَلَمَّا أَخَّرَ الصَّلَاةَ تَرَكَ أَنْ يَشْهَدَهَا مَعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ قَالَ: كُنْتُ بِمِنًى وَصُحُفٌ تُقْرَأُ لِلْوَلِيدِ فَأَخَّرُوا الصَّلَاةَ، فَنَظَرْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ يُومِئَانِ إِيمَاءً وَهُمَا قَاعِدَانِ.
قَوْله (وَقَالَ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ) هُوَ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْجَامِعِ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ. وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ.
قَوْله (نَحْوَهُ) سِيَاقُهُ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مُوَافِقٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ وَهُوَ وَحْدَهُ وَقَالَ فِيهِ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ.
(تَنْبِيهٌ): إِطْلَاقُ أَنَسٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا شَاهَدَهُ مِنْ أُمَرَاءِ الشَّامِ وَالْبَصْرَةِ خَاصَّةً، وإِلَّا فَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمِيرُهَا حِينَئِذٍ، وَكَانَ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ عُرْوَةُ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ بِالنَّصِّ عَلَى الْأَوْقَاتِ، فَكَانَ يُحَافِظُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ إِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يُرَاعِي الْأَمْرَ مَعَهُمْ فَيُؤَخِّرُ الظّهْرَ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَنَسٌ أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْهُ.
٨ - بَاب الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ ﷿
٥٣١ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَتْفِلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى.
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: لَا يَتْفِلُ قُدَّامَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: لَا يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: لَا يَبْزُقْ فِي الْقِبْلَةِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ. قَوْله (بَابُ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ السَّابِقَةَ دَلَّتْ عَلَى مَدْحِ مَنْ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا وَذَمِّ مَنْ أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَمُنَاجَاةُ الرَّبِّ ﷻ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْعَبْدِ، فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِإِيرَادِ ذَلِكَ إِلَى التَّرْغِيبِ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ فِي أَوْقَاتِهَا لِتَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ السَّنِيَّةِ الَّتِي يُخْشَى فَوَاتُهَا عَلَى مَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ.
قَوْله (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ