وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الثِّقَاتِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ: حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَذَفَ الِاسْتِثْنَاءَ لِوُضُوحِهِ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ:)؛ أَيِ انْتَظَرْنَا، وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ بِلَفْظِ: وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ. وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ ﷺ سَجَدَ فِي قِصَّةِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَبْلَ السَّلَامِ سَهْوًا، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّجْدَتَيْنِ سَجْدَتَا الصَّلَاةِ، أَوِ الْمُرَادَ بِالتَّسْلِيمِ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ ذَلِكَ وَبُعْدُهُ.
قَوْلُهُ: (كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ سُجُودِ السَّهْوِ، وَأَنَّهُ سَجْدَتَانِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ سَاهِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ أَوْ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الْإِتْيَانَ بِسَجْدَةٍ زَائِدَةٍ لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً، وَأَنَّهُ يُكَبِّرُ لَهُمَا كَمَا يُكَبِّرُ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ السُّجُودِ. وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ: يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ. وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ: فَكَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَنَحْوَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ عَقِبَ حَدِيثِ اللَّيْثِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِيهِمَا وَالْجَهْرِ بِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً فَاصِلَةً، وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالسَّجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الَّذِي فَاتَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْجُلُوسُ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَوْ سَهَا الْمُصَلِّي عَنْهُ عَلَى انْفِرَادِهِ سَجَدَ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ ﷺ سَجَدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرَ سَجْدَتَيْنِ، وَتُعَقِّبَ بِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ مَشْرُوعِيَّةِ السُّجُودِ لِتَرْكِ مَا ذُكِرَ، وَلَمْ يَسْتَدِلُّوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَيَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ السُّجُودَ مَكَانَ مَا نُسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ. نَعَمْ، حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ دَالٌّ لِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ جَالِسٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: سَجَدَ؛ أَيْ أَنْشَأَ السُّجُودَ جَالِسًا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَلَّمَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الْآتِيَةِ: وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فِي كَوْنِ جَمِيعِهِ كَذَلِكَ، نَعَمْ يَرُدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ جَمِيعَهُ بَعْدَ السَّلَامِ كَالْحَنَفِيَّةِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مُسْتَنَدِهِمْ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَاسْتُدِلَّ بِزِيَادَةِ اللَّيْثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ خَاصٌّ بِالسَّهْوِ، فَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ شَيْءٍ مِمَّا يُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ لَا يَسْجُدُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَنَاسٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ إِذَا سَهَا الْإِمَامُ، وَإِنْ لَمْ يَسْهُ الْمَأْمُومُ، وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، لَكِنِ اسْتَثْنَى غَيْرَهُ مَا إِذَا ظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّهُ سَهَا فَسَجَدَ وَتَحَقَّقَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَسْهُ فِيمَا سَجَدَ لَهُ وَفِي تَصْوِيرِهَا عُسْرٌ، وَمَا إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ مُحْدِثٌ، وَنَقَلَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ اسْتَثْنَى الْمَسْبُوقَ أَيْضًا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا تَشَهُّدَ بَعْدَهُ إِذَا كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا، وَأَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ مَنْ سَهَا عَنِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حَتَّى قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ لَا يَرْجِعُ، فَقَدْ سَبَّحُوا بِهِ ﷺ فَلَمْ يَرْجِعْ، فَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُصَلِّي الرُّجُوعَ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِالرُّكْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ، وَأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ جَائِزَانِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّشْرِيعُ، وَأَنَّ مَحَلَّ سُجُودِ السَّهْوِ آخِرُ الصَّلَاةِ، فَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ سَاهِيًا أَعَادَ عِنْدَ مَنْ يُوجِبُ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ.
٢ - بَاب إِذَا صَلَّى خَمْسًا
١٢٢٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﵁
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute