للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ

[الحديث ١٩٤٩ - طرفه في ٤٥٠٦]

قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ: نَسَخَتْهَا: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَوَصَلَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ عَنْ عَيَّاشٍ وَهُوَ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي التَّفْسِيرِ وَزَادَ أَنَّهُ ابْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ الرَّقَّامُ، وَشَيْخُهُ عَبْدُ الْأَعْلَى هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْبَصْرِيُّ السَّامِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يُعَيِّنِ النَّاسِخَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ الَّتِي بَعْدَهَا: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ نَسَخَتْهَا ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ أَيِ: الْآيَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَوْضِعِ النَّسْخِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ فَوَصَلَهُ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ بِلَفْظِ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ كَانَ مَنْ أَرادَ أَنْ يُفْطِرَ أَفْطَرَ وَافْتَدَى حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ: قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ وَلَا عَهْدَ لَهُمْ بِالصِّيَامِ، فَكَانُوا يَصُومُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَتَّى نَزَلَ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ فَاسْتَكْثَرُوا ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا كُلَّ يَوْمٍ تَرَكَ الصِّيَامَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ نَسَخَهُ: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ فَأُمِرُوا بِالصِّيَامِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَالْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ مُطَوَّلًا فِي الْأَذَانِ وَالْقِبْلَةِ وَالصِّيَامِ، وَاخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَطَرِيقُ ابْنِ نُمَيْرٍ هَذِهِ أَرْجَحُهَا، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِفْطَارَ وَالْإِطْعَامَ كَانَ رُخْصَةً ثُمَّ نُسِخَ، لَزِمَ أَنْ يَصِيرَ الصِّيَامُ حَتْمًا وَاجِبًا، فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وَالْخَيْرِيَّةُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ بَلِ الْمُشَارَكَةِ فِي أَصْلِ الْخَيْرِ؟

أَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمَعْنَى: فَالصَّوْمُ خَيْرٌ مِنَ التَّطَوُّعِ بِالْفِدْيَةِ، وَالتَّطَوُّعُ بِهَا كَانَ سُنَّةً، وَالْخَيْرُ مِنَ السُّنَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاجِبًا، أَيْ: لَا يَكُونُ شَيْءٌ خَيْرًا مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا الْوَاجِبَ، كَذَا قَالَ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَتَكَلُّفُهُ. وَدَعْوَى الْوُجُوبِ فِي خُصُوصِ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ، مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ، فَنَصَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ، وَكَوْنُ بَعْضِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ مَنْسُوخٌ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَكِنْهَا مَخْصُوصَةٌ بِالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَنَحْوِهِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ وَالْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ مِنْ تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ.

٤٠ - بَاب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ؟

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ: لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ إطَعَامًا. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ، وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ