للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَيَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ الْآيَةَ.

ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مِنْ وُجُوهِ الْوَحْيِ مَا يَرَاهُ فِي الْمَنَامِ، وَمَا يُلْقِيهِ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رَوْعِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَعْدُو السُّنَنُ كُلُّهَا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي وَصَفْتُ، انْتَهَى.

وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْتَهِدُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾ وَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ أُولِي الْأَبْصَارِ. وَلِمَا ثَبَتَ مِنْ أَجْرِ الْمُجْتَهِدِ وَمُضَاعَفَتِهِ. وَالْأَنْبِيَاءُ أَحَقُّ بِمَا فِيهِ جَزِيلُ الثَّوَابِ.

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَمْثِلَةً مِمَّا عَمِلَ فِيهِ بِالرَّأْيِ مِنْ أَمْرِ الْحَرْبِ وَتَنْفِيذِ الْجُيُوشِ وَإِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ وَأَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ قَالَ: وَلَا تَكُونُ الْمَشُورَةُ إِلَّا فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَاحْتَجَّ الدَّاوُدِيُّ بِقَوْلِ عُمَرَ أَنَّ الرَّأْيَ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مُصِيبًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَّا الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قَالَ الْمُجَوِّزُونَ: كَأَنَّ التَّوَقُّفَ فِيمَا لَمْ يَجِدْ لَهُ أَصْلًا يَقِيسُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾ انْتَهَى. وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.

وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِعَدَمِ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الرَّأْيَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مُصِيبًا، لِأَنَّ اللَّهَ ﷿ يُرِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَّا الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ وَبِهَذَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ لِمَنْ يَقُولُ كَانَ يَجْتَهِدُ، لَكِنْ لَا يَقَعُ فِيمَا يَجْتَهِدُ فِيهِ خَطَأً أَصْلًا.

وَهَذَا فِي حَقِّهِ . فَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُ فَإِنَّ الْوَقَائِعَ كَثُرَتْ وَالْأَقَاوِيلَ انْتَشَرَتْ، فَكَانَ السَّلَفُ يَتَحَرَّزُونَ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ. ثُمَّ انْقَسَمُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ: الْأُولَى تَمَسَّكَتْ بِالْأَمْرِ، وَعَمِلُوا بِقَوْلِهِ : عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَلَمْ يَخْرُجُوا فِي فَتَاوِيهِمْ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا سُئِلُوا عَنْ شَيْءٍ لَا نَقْلَ عِنْدَهُمْ فِيهِ أَمْسَكُوا عَنِ الْجَوَابِ وَتَوَقَّفُوا. وَالثَّانِيَةُ: قَاسُوا مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى مَا وَقَعَ وَتَوَسَّعُوا فِي ذَلِكَ، حَتَّى أَنْكَرَتْ عَلَيْهِمُ الْفِرْقَةُ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ وَيَجِيءُ. وَالثَّالِثَةُ: تَوَسَّطَتْ؛ فَقَدَّمَتِ الْأَثَرَ مَا دَامَ مَوْجُودًا، فَإِذَا فُقِدَ قَاسُوا.

قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سُئِلَ النَّبِيُّ عَنِ الرُّوحِ، فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ) هُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي مَضَى قَرِيبًا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ مَوْصُولًا إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِيهِ بِلَفْظِ فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ فَسَكَتَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَوْرَدَهُ فِي تَفْسِيرِ سُبْحَانَ بِلَفْظِ فَأَمْسَكَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي مَرَضِهِ، وَسُؤَالَهُ: كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ قَالَ: فَمَا أَجَابَنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ، وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ.

٩ - بَاب تَعْلِيمِ النَّبِيِّ أُمَّتَهُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ لَيْسَ بِرَأْيٍ وَلَا تَمْثِيلٍ

٧٣١٠ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ؛ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ: اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا. فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ، فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلَاثَةً إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اثْنَيْنِ؟ قَالَ: فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ.