للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَاءَ إِذَا سَقَطَ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ النَّوْءُ طُلُوعُ نَجْمٍ مِنْهَا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَاءَ إِذَا نَهَضَ، وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ كُلَّ نَجْمٍ مِنْهَا إِذَا طَلَعَ فِي الْمَشْرِقِ وَقَعَ حَالَ طُلُوعِهِ آخَرُ فِي الْمَغْرِبِ لَا يَزَالُ ذَلِكَ مُسْتَمِرًّا إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الثَّمَانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ بِانْتِهَاءِ السَّنَةِ، فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَقْرِيبًا، قَالَ: وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَظُنُّونَ أَنَّ نُزُولَ الْغَيْثِ بِوَاسِطَةِ النَّوْءِ إِمَّا بِصُنْعِهِ عَلَى زَعْمِهِمْ وَإِمَّا بِعَلَامَتِهِ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ قَوْلَهُمْ وَجَعَلَهُ كُفْرًا، فَإِنِ اعْتَقَدَ قَائِلٌ ذَلِكَ أَنَّ لِلنَّوْءِ صُنْعًا فِي ذَلِكَ فَكُفْرُهُ كُفْرُ تَشْرِيكٍ، وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّجْرِبَةِ فَلَيْسَ بِشِرْكٍ لَكِنْ يَجُوزُ إِطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ وَإِرَادَةُ كُفْرِ النِّعْمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَاسِطَةٌ، فَيُحْمَلُ الْكُفْرُ فِيهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ لِتَنَاوُلِ الْأَمْرَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يَرِدُ السَّاكِتُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقِدَ قَدْ يَشْكُرُ بِقَلْبِهِ أَوْ يَكْفُرُ، وَعَلَى هَذَا فَالْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ النُّطْقِ وَالِاعْتِقَادِ، كَمَا أَنَّ الْكُفْرَ فِيهِ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ كُفْرِ الشِّرْكِ وَكُفْرِ النِّعْمَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

قَوْلُهُ: (مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا) فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْمِجْدَحِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، وَيُقَالُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ هُوَ الدَّبَرَانُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا، وَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاسْتِدْبَارِهِ الثُّرَيَّا، وَهُوَ نَجْمٌ أَحْمَرُ صَغِيرٌ مُنِيرٌ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كُلُّ النُّجُومِ الْمَذْكُورَةِ لَهُ نَوْءٌ غَيْرُ أَنَّ بَعْضَهَا أَحْمَرُ وَأَغْزَرُ مِنْ بَعْضٍ، وَنَوْءُ الدَّبَرَانِ غَيْرُ مَحْمُودٍ عِنْدَهُمْ، انْتَهَى.

وَكَأَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ تَنْبِيهًا عَلَى مُبَالَغَتِهِمْ فِي نِسْبَةِ الْمَطَرِ إِلَى النَّوْءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْمُودًا، أَوِ اتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَطَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً. وَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ أَنَّ الَّذِي قَالَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الشِّعْرَى هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفُ بِابْنِ سَلُولَ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ طَرَحُ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِدِقَّةِ النَّظَرِ. وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْمُتَمَكِّنِ مِنَ النَّظَرِ فِي الْإِشَارَةِ (١) أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِبَارَاتٍ يَنْسُبُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (٢)، كَذَا قَرَأْتُ بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِنَا، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنِ اسْتِنْطَاقِ النَّبِيِّ أَصْحَابَهُ عَمَّا قَالَ رَبُّهُمْ وَحَمْلُ الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لَكِنَّهُمْ فَهِمُوا خِلَافَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يُجِيبُوا إِلَّا بِتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

٢٩ - بَاب لَا يَدْرِي مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ : خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ.

١٠٣٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مِفْتَاحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ: لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الْأَرْحَامِ، وَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ.

[الحديث ١٠٣٩ - أطرافه في ٧٣٧٩. ٤٧٧٨. ٤٦٩٧. ٤٦٢٧]


(١) في مخطوطة الرياض"الاشارات"
(٢) هذا خطأ بين، وقول على الله بغير علم، فلا يجوز لمسلم أن يتعاطى ذلك، بل عليه أن يقول إذا سئل عما لايعلم: الله أعلم، كما فعل الصحابة . والله أعلم