١٨ - بَاب مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ
٧٦ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ.
[الحديث ٧٦ - أطرافه في: ٤٤١٢، ١٨٥٧، ٨٦١، ٤٩٣]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ) زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ: الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ. وَمَقْصُودُ الْبَابِ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ شَرْطًا فِي التَّحَمُّلِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: إِنَّ مَعْنَى الصِّحَّةِ هُنَا جَوَازُ قَبُولِ مَسْمُوعِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِثَمَرَةِ الصِّحَّةِ لَا لِنَفْسِ الصِّحَّةِ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا إِلَى اخْتِلَافِ وَقَعَ بَيْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ يَحْيَى قَالَ: أَقَلُّ سِنِّ التَّحَمُّلِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لِكَوْنِ ابْنِ عُمَرَ رُدَّ يَوْمَ أُحُدٍ إِذْ لَمْ يَبْلُغْهَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَحْمَدَ فَقَالَ: بَلْ إِذَا عَقَلَ مَا يَسْمَعُ، وَإِنَّمَا قِصَّةُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقِتَالِ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْخَطِيبُ أَشْيَاءَ مِمَّا حَفِظَهَا جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الصِّغَرِ وَحَدَّثُوا بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقُبِلَتْ عَنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ إِنْ أَرَادَ بِهِ تَحْدِيدَ ابْتِدَاءِ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ فَمُوَجَّهٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ رَدَّ حَدِيثِ مَنْ سَمِعَ اتِّفَاقًا أَوِ اعْتَنَى بِهِ فَسَمِعَ وَهُوَ صَغِيرٌ فَلَا، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِ هَذَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَ ابْنِ مَعِينٍ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَدَّ الْبَرَاءَ وَغَيْرَهُ يَوْمَ بَدْرٍ مِمَّنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِتَالَ يُقْصَدُ فِيهِ مَزِيدُ الْقُوَّةِ وَالتَّبَصُّرُ فِي الْحَرْبِ، فَكَانَتْ مَظِنَّتُهُ سِنَّ الْبُلُوغِ، وَالسَّمَاعُ يُقْصَدُ فِيهِ الْفَهْمُ، فَكَانَتْ مَظِنَّتُهُ التَّمْيِيزَ. وَقَدِ احْتَجَّ الْأَوْزَاعِيُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ: مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى حِمَارٍ) هُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى كَقَوْلِكَ بَعِيرٌ. وَقَدْ شَذَّ حِمَارَةٌ فِي الْأُنْثَى حَكَاهُ فِي الصِّحَاحِ. وَأَتَانٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَشَذَّ كَسْرُهَا كَمَا حَكَاهُ الصَّغَانِيُّ هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْحَمِيرِ، وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْأُنْثَى: أَتَانَةٌ حَكاهُ يُونُسُ وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ، فَجَاءَ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى اللُّغَةِ الْفُصْحَى. وَحِمَارٌ أَتَانٌ بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا عَلَى النَّعْتِ أَوِ الْبَدَلِ، وَرُوِيَ بِالْإِضَافَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ فَائِدَةَ التَّنْصِيصِ عَلَى كَوْنِهَا أُنْثَى لِلِاسْتِدْلَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُنَّ أَشْرَفُ، وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ، إِلَّا أَنَّ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ لَا يُدْفَعُ بِمِثْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (نَاهَزْتُ) أَيْ قَارَبْتُ، وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِلَامِ الْبُلُوغُ الشَّرْعِيُّ.
قَوْلُهُ: (إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ) أَيْ: إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْرَدَهُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ: وَالنَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ لَيْسَ لِشَيْءٍ يَسْتُرُهُ.
قَوْلُهُ: (بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ) هُوَ مَجَازٌ عَنِ الْأَمَامِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ; لِأَنَّ الصَّفَّ لَيْسَ لَهُ يَدٌ. وَبَعْضُ الصَّفِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ صَفٌّ مِنَ الصُّفُوفِ أَوْ بَعْضٌ مِنْ أَحَدِ الصُّفُوفِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ.
قَوْلُهُ: (تَرْتَعُ) بِمُثَنَّاتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ: تَأْكُلُ مَا تَشَاءُ، وَقِيلَ: تُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ، وَجَاءَ أَيْضًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ بِوَزْنِ يَفْتَعِلُ مِنَ الرَّعْيِ، وَأَصْلُهُ تَرْتَعِي لَكِنْ حُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَجِّ نَزَلْتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ.
قَوْلُهُ: (وَدَخَلْتُ)،