فِي الْفَرِيضَةِ نَافِلَةٌ فَقِيلَ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ، لِأَنَّهَا كَالتَّسْبِيحِ فِي الْفَرِيضَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنِّي لِأُسَبِّحُهَا) كَذَا هُنَا مِنَ السُّبْحَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ بِلَفْظِ: وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا مِنَ الِاسْتِحْبَابِ، وَهي مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا وَجْهٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي الْفِعْلَ، وَالثَّانِي لَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ أَوْرَدَهَا مُسْلِمٌ: فَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: لَا، إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ. وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذَةَ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ. فَفِي الْأَوَّلِ نَفْيُ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِي تَقْيِيدُ النَّفْيِ بِغَيْرِ الْمَجِيءِ مِنْ مَغِيبِهِ، وَفِي الثَّالِثِ الْإِثْبَاتُ مُطْلَقًا. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ: فَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى تَرْجِيحِ مَا اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، وَقَالُوا: إِنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُقُوعِ، فَيُقَدَّمُ مَنْ روي عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَثْبَاتِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا: مَا رَأَيْتُهُ سَبَّحَهَا؛ أَيْ دَاوَمَ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهَا وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا؛ أَيْ أُدَاوِمُ عَلَيْهَا، وَكَذَا قَوْلُهَا: وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا: تَعْنِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا. قَالَ: وَفِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ - أَيِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ - إِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَتْ: وَإِنْ كَانَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ.
انْتَهَى.
وَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ جُمِعَ بَيْنَ قَوْلِهَا: مَا كَانَ يُصَلِّي إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ.، وَقَوْلِهَا: كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ. بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاتِهِ إِيَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالثَّانِي عَلَى الْبَيْتِ. قَالَ: وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُهَا الثَّالِثُ - يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ - وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ صِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَأُخِذَ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ.
وَقَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: قَوْلُهُ: مَا صَلَّاهَا؛ مَعْنَاهَ: مَا رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهَا: كَانَ يُصَلِّيهَا، أَنَّهَا أَخْبَرَتْ فِي الْإِنْكَارِ عَنْ مُشَاهَدَتِهَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ عَنْ غَيْرِهَا. وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا: يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَفَتْ صَلَاةَ الضُّحَى الْمَعْهُودَةَ حِينَئِذٍ مِنْ هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَأَنَّهُ ﷺ إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّيهَا إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ لَا بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَلَا بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَتْ: يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ.
(تَنْبِيهٌ): حَدِيثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَعَدَّهَا لِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ. وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْحَاوِي: إِنَّهُ ﷺ وَاظَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ يَوْمِ الْفَتْحِ إِلَى أَنْ مَاتَ، يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ: أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. وَلَا يُقَالُ: إِنَّ نَفْيَ أُمِّ هَانِئٍ لِذَلِكَ يَلْزَمُ (١) مِنْهُ الْعَدَمُ، لِأَنَّا نَقُولُ: يَحْتَاجُ مَنْ أَثْبَتَهُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَوْ وُجِدَ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، لِأَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، فَلَا تَسْتَل زِمُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى هَذَا الْوُجُوبَ عَلَيْهِ.
٣٣ - بَاب صَلَاةِ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ، قَالَهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ
١١٧٨ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ.
[الحديث ١١٧٨ - طرفه في: ١٩٨١]
(١) كذا في النسخ، ولعله "لا يلزم"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute