أَفْضَلِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُحْرِمُ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَةٍ مُفْرَدَةٍ. وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا جَعَلَ مَكَّةَ مِيقَاتًا لِلْعُمْرَةِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْقَارِنِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْقَارِنِ؛ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمَ الْحَاجِّ فِي الْإِهْلَالِ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ إِنَّمَا تَنْدَرِجُ فِي الْحَجِّ فِيمَا مَحِلُّهُ وَاحِدٌ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَمَحِلُّهُ فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ، وَجَوَابُ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ أَنْ يَرِدَ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ مِنَ الْحِلِّ فَيَصِحَّ كَوْنُهُ وَافِدًا عَلَيْهِ، وَهَذَا يَحْصُلُ لِلْقَارِنِ لِخُرُوجِهِ إِلَى عَرَفَةَ - وَهِيَ مِنَ الْحِلِّ - وَرُجُوعِهِ إِلَى الْبَيْتِ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَيْضًا. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ فَلَمْ يُحْرِمْ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَأْثَمْ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ، فَأَمَّا لُزُومُ الدَّمِ فَبِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذَا، وَأَمَّا الْإِثْمُ فَلِتَرْكِ الْوَاجِبِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: فَرَضَهَا، وَسَيَأْتِي بِلَفْظِ: يُهِلُّ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ لَا يَرِدُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ تَأْكِيدُهُ، وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَسَبَقَ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ: مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ الْمَدِينَةِ. وَذَهَبَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَوْ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالنُّسُكِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بِشَرْطِ أَنْ يَعُودَ مُلَبِّيًا، وَمَالِكٌ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْعُدَ، وَأَحْمَدُ: لَا يَسْقُطُ بِشَيْءٍ.
(تَنْبِيهٌ): الْأَفْضَلُ فِي كُلِّ مِيقَاتٍ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ طَرَفِهِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ، فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ طَرَفِهِ الْأَقْرَبِ جَازَ.
٨ - بَاب مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُهِلُّوا قَبْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ
١٥٢٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُهِلُّونَ قِبَلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ) قَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا فِي بَابِ فَرْضِ الْمَوَاقِيتِ، وَاسْتَنْبَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ إِيرَادِ الْخَبَرِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ مَعَ إِرَادَةِ الْأَمْرِ تَعَيُّنَ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَحْرَمَ قِبَلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَوْلَا تَعَيُّنُ الْمِيقَاتِ لَبَادَرُوا إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَشَقَّ فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَجْرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْمَتْنِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (وَبَلَغَنِي. . . إِلَخْ) سَيَأْتِي مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ سَالِمٍ عَنْهُ بَعْدَ بَابٍ بِلَفْظِ: زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ. وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ: لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ. وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الَّذِي بَلَّغَ ابْنَ عُمَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ.
٩ - بَاب مُهَلِّ أَهْلِ الشَّأْمِ
١٥٢٦ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute