للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَسَيَأْتِي كَذَلِكَ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ.

ثُمَّ شَرَعَ الْكِرْمَانِيُّ فِي إِبْدَاءِ احْتِمَالَاتٍ بَعِيدَةٍ مُتَكَلَّفَةٍ لِتَوْجِيهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْبُخَارِيِّ فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلرُّبَيِّعِ ابْنٌ يُسَمَّى الرَّبِيعَ يَعْنِي بِالتَّخْفِيفِ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ غَيْرِ سُرَاقَةَ يُسَمَّى الْبَرَاءَ وَأَنْ يَكُونَ بِنْتُ الْبَرَاءِ خَبَرًا لِأَنَّ، وَضَمِيرُ هِيَ رَاجِعٌ إِلَى الرُّبَيِّعِ وَأَنْ يَكُونَ بِنْتُ صِفَةٌ لِوَالِدَةِ الرُّبَيِّعِ فَأَطْلَقَ الْأُمَّ عَلَى الْجَدَّةِ تَجَوُّزًا وَأَنْ تَكُونَ إِضَاقَةُ الْأُمِّ إِلَى الرُّبَيِّعِ لِلْبَيَانِ أَيِ الْأُمُّ الَّتِي هِيَ الرُّبَيِّعُ وَبِنْتٌ مُصَحَّفٌ مِنْ عَمَّةٍ، قَالَ: وَارْتِكَابُ بَعْضِ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ أَوْلَى مِنْ تَخْطِئَةِ الْعُدُولِ الْأَثْبَاتِ. قُلْتُ: إِنَّمَا اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ شَيْبَانَ عَلَى رِوَايَةِ سَعِيدٍ لِتَصْرِيحِ شَيْبَانَ فِي رِوَايَتِهِ بِتَحْدِيثِ أَنَسٍ، لِقَتَادَةَ، وَلِلْبُخَارِيِّ حِرْصٌ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ مُدَلِّسٍ أَوْ مُعَاصِرٍ، وَقَدْ قَالَ هُوَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَحَارِثَةُ ابْنُ الرُّبَيِّعِ وَهُوَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ فَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ أَنَّهُ حَارِثَةُ بْنُ أُمِّ الرُّبَيِّعِ بَلْ جَزَمَ بِالصَّوَابِ، وَالرُّبَيِّعُ أُمُّهُ وَسُرَاقَةُ أَبُوهُ.

قَوْلُهُ: (أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ) أَيْ لَا يُعْرَفُ رَامِيهِ، أَوْ لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ أَتَى، أَوْ جَاءَ عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ مِنْ رَامِيهِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ. وَالثَّابِتُ فِي الرِّوَايَةِ بِالتَّنْوِينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فَقَالَ: كَذَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ وَالْأَجْوَدُ فَتْحُ الرَّاءِ وَالْإِضَافَةُ، وَحَكَى الْهَرَوِيُّ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ: إِنْ جَاءَ مِنْ حَيْثُ لَا يُعْرَفُ فَهُوَ بِالتَّنْوِينِ وَالْإِسْكَانِ، وَإِنْ عُرِفَ رَامِيهِ لَكِنْ أَصَابَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ فَهُوَ بِالْإِضَافَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، قَالَ: وَذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ لَا غَيْرَ، وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ، وَابْنُ فَارِسٍ، وَالْقَزَّازُ وَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُمُ الْوَجْهَيْنِ مُطْلَقًا، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرَبٌ وَغَرْبٌ إِذَا لَمْ يُدْرَ مَنْ رَمَاهُ، وَقِيلَ إِذَا أَتَاهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، وَقِيلَ إِذَا قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ، قَالَ: وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ. قُلْتُ: فَحَصَلْنَا مِنْ هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ. وَقِصَّةُ حَارِثَةَ مُنَزَّلَةٌ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّ الَّذِي رَمَاهُ قَصَدَ غِرَّتَهُ فَرَمَاهُ وَحَارِثَةُ لَا يَشْعُرُ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ حَارِثَةَ خَرَجَ نَظَّارًا، زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: مَا خَرَجَ لِقِتَالٍ.

قَوْلُهُ: (اجْتَهَدَتْ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَقَرَّهَا النَّبِيُّ عَلَى هَذَا أَيْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَازُ. قُلْتُ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ النَّوْحِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ كَانَ عَقِبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ عَقِبَ غَزْوَةِ بَدْرٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ اجْتَهَدَتْ فِي الدُّعَاءِ بَدَلَ قَوْلِهِ فِي الْبُكَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ دُونَ بَعْضٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الْآتِيَةِ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ مِنَ الرِّقَاقِ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى صِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ الْبُكَاءِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ هَذِهِ وَإِلَّا فَسَتَرَى مَا أَصْنَعُهُ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ عِنْدَ أَحْمَدَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ) كَذَا هُنَا، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي جَنَّةٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبَانٍ عِنْدَ أَحْمَدَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ فِي جَنَّةٍ وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ (١) الْمَذْكُورَةِ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ فَقَطْ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهَا جِنَانٌ يُفَسِّرهُ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: هِيَ الْعَرَبُ تَقُولُ مَا شَاءَتْ، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ التَّفْخِيمُ وَالتَّعْظِيمُ، وَمَضَى الْكَلَامُ عَلَى الْفِرْدَوْسِ قَرِيبًا.

١٥ - بَاب مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا

٢٨١٠ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:


(١) في هامش طبعة بولاق: في نسخة صحيحة "حماد".