مَصْرُورَةٍ مُحَرَّزَةٍ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا تَأْوِيلٍ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ صَاحِبُهَا تَعْيِينًا أَوْ إِجْمَالًا، لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ أَفْصَحَ بِأَنَّ ضُرُوعَ الْأَنْعَامِ خَزَائِنُ الطَّعَامِ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وُجُوبَ الْقَطْعِ وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْغَنَمُ فِي حِرْزٍ اكْتِفَاءً بِحِرْزِ الضَّرْعِ لِلَّبَنِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
٩ - بَاب إِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ
٢٤٣٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ﵁: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ اللُّقَطَةِ قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ - أَوْ احْمَرَّ وَجْهُهُ - ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ زَيْدِ ابْنِ خَالِدٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَدِيعَةِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى رُجْحَانِ رَفْعِ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: اسْتَرَابَ الْبُخَارِيُّ بِالشَّكِّ الْمَذْكُورِ فَتَرْجَمَهُ بِالْمَعْنَى، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: أَسْقَطَهَا لَفْظًا وَضَمَّنَهَا مَعْنًى لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِ صَاحِبِهَا خِلَافًا لِمَنْ أَبَاحَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِلَا ضَمَانٍ.
قَوْلُهُ: وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْدَ الِاسْتِنْفَاقِ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ، فَتَجُوزُ بِذِكْرِ الْوَدِيعَةِ عَنْ وُجُوبِ رَدِّ بَدَلِهَا، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوَدِيعَةِ أَنْ تَبْقَى عَيْنُهَا، وَالْجَامِعُ وُجُوبُ رَدِّ مَا يَجِدُ الْمَرْءُ لِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَالْمَأْذُونُ فِي اسْتِنْفَاقِهِ لَا تَبْقَى عَيْنُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَلْتَكُنْ بِمَعْنَى أَوْ، أَيْ إِمَّا أَنْ تَسْتَنْفِقَهَا وَتَغْرَمَ بَدَلَهَا وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَهَا عِنْدَكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَدِيعَةِ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهَا فَتُعْطِيَهَا لَهُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَسْمِيَتِهَا وَدِيعَةً أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: يُسْتَدَلُّ بِهِ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِذَا أَتْلَفَهَا الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَانْقِضَاءِ زَمَنِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ بَدَلَهَا ثُمَّ هَلَكَتْ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَكَلَهَا ثُمَّ غَرِمَهَا ثُمَّ ضَاعَتْ قُبِلَ قَوْلُهُ أَيْضًا وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِهِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ.
وَقَوْلُهُ هُنَا: حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْوَجْنَةُ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْخَدَّيْنِ، وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ: بِالْوَاوِ وَالْهَمْزَةِ، وَالْفَتْحِ فِيهِمَا، وَالْكَسْرِ.
١٠ - بَاب هَلْ يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ وَلَا يَدَعُهَا تَضِيعُ حَتَّى لَا يَأْخُذَهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ
٢٤٣٧ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزَاةٍ، فَوَجَدْتُ سَوْطًا، فَقَالَا لِي: أَلْقِهِ، قُلْتُ: لَا، وَلَكِنِّي إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا، فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute