أَوَّلًا خَصَّ اتِّبَاعًا بِظَاهِرِ الْقَرَابَةِ، ثُمَّ عَمَّ لِمَا عِنْدَهُ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى التَّعْمِيمِ، لِكَوْنِهِ أُرْسِلَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً.
(تَنْبِيهٌ): يَجُوزُ فِي: يَا عَبَّاسُ، وَفِي: يَا صَفِيَّةُ، وَفِي: يَا فَاطِمَةُ، الضَّمُّ وَالنَّصْبُ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ)، وَصَلَهُ الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ عَنْ أَصْبَغَ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ.
١٢ - بَاب هَلْ يَنْتَفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقْفِهِ؟
وَقَدْ اشْتَرَطَ عُمَرُ ﵁: لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَقَدْ يَلِي الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ جَعَلَ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا لِلَّهِ، فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا كَمَا يَنْتَفِعُ بِهَا غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ.
٢٧٥٤ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ، أَوْ وَيْحَكَ.
٢٧٥٥ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ. فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ هَلْ يَنْتَفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقْفِهِ) أَيْ بِأَنْ يَقِفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ بِأَنْ يَشْرِطَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ جُزْءًا مُعَيَّنًا، أَوْ يَجْعَلَ لِلنَّاظِرِ عَلَى وَقْفِهِ شَيْئًا، وَيَكُونَ هُوَ النَّاظِرَ؟ وَفِي هَذَا كُلِّهِ خِلَافٌ، فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ فَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِ الْوَقْفِ كَيْفَ يُكْتَبُ، وَأَمَّا شَرْطُ شَيْءٍ مِنَ الْمَنْفَعَةِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ فَأَذْكُرُهُ هُنَا. وَوَقَعَ قَبْلَ الْبَابِ فِي الْمُسْتَخْرَجِ لِأَبِي نُعَيْمٍ كِتَابُ الْأَوْقَافِ، بَابُ هَلْ يَنْتَفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقْفِهِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدِ اشْتَرَطَ عُمَرُ … إِلَخْ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ قِصَّةِ وَقْفِ عُمَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَوْصُولَةً فِي آخِرِ الشُّرُوطِ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يَلِي الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ … إِلَخْ. هُوَ مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ وِلَايَةَ النَّظَرِ لِلْوَاقِفِ لَا نِزَاعَ فِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: إِنْ دَفَعَهُ الْوَاقِفُ لِغَيْرِهِ لِيَجْمَعَ غَلَّتَهُ وَلَا يَتَوَلَّى تَفْرِقَتَهَا إِلَّا الْوَاقِفُ جَازَ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَإِنَّمَا مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ؛ لِئَلَّا يَصِيرَ كَأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ يَطُولَ الْعَهْدُ فَيُنْتَسَى الْوَقْفُ، أَوْ يُفْلِسَ الْوَاقِفُ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ يَمُوتَ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ وَرَثَتُهُ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ إِذَا حَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ.
نَعَمْ، إِنْ شَرَطَ ذَلِكَ جَازَ عَلَى الرَّاجِحِ، وَالَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قِصَّةِ عُمَرَ ظَاهِرٌ فِي الْجَوَازِ، ثُمَّ قَوَّاهُ بِقَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ جَعَلَ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا لِلَّهِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ كَمَا يَنْتَفِعَ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ.
أَوْرَدَ حَدِيثَيْ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الَّذِي سَاقَ الْبَدَنَةَ وَأَمَرَهُ ﷺ بِرُكُوبِهَا، وَقَدْ قَدَّمْتُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ مُسْتَوْفًى وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَمَنْ مَنَعَ وَمَنْ قَيَّدَ بِالضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَجَازَ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَا أَهْدَاهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَجَوَازُهُ بِالشَّرْطِ أَوْلَى، وَقَدِ اعْتَرَضَهُ ابْنُ