الطَّحَاوِيُّ: وَلَا يَسْقُطُ إِلَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ فِي الْبَابِ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ مُخْتَصَرًا، وَوَقَعَ فِي آخِرِهِ: وَتَابَتْ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى قُبَيْلَ هَذَا، وَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهِ لِلتَّرْجَمَةِ وَصْفُ التَّوْبَةِ بِالْحُسْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَثْبُتُ لِلتَّائِبِ الْمَذْكُورِ فَيَعُودُ لِحَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا.
وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي الْبَيْعَةِ، وَفِيهِ ذِكْرُ السَّرِقَةِ وَفِي آخِرِهِ: فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وُصِفَ بِالتَّطَهُّرِ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَابَ فَإِنَّهُ يَعُودُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ قَبُولَ شَهَادَتِهِ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٥ - بَاب الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾
٦٨٠٢ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا، فقَتَلُوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا.
قَوْلُهُ: (كِتَابُ الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ) كَذَا هَذِهِ التَّرْجَمَةُ ثَبَتَتْ لِلْجَمِيعِ هُنَا، وَفِي كَوْنِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِشْكَالٌ، وَأَظُنُّهَا مِمَّا انْقَلَبَ عَلَى الَّذِينَ نَسَخُوا كِتَابَ الْبُخَارِيِّ مِنَ الْمُسَوَّدَةِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَحَلَّهَا بَيْنَ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَبَيْنَ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَخَلَّلَتْ بَيْنَ أَبْوَابِ الْحُدُودِ. فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ تَرْجَمَ كِتَابَ الْحُدُودِ وَصَدَّرَهُ بِحَدِيثِ: لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَفِيهِ ذَكَرَ السَّرِقَةَ وَشُرْبَ الْخَمْرِ، ثُمَّ بَدَأَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحَدِّ الْخَمْرِ فِي أَبْوَابٍ ثُمَّ بِالسَّرِقَةِ كَذَلِكَ.
فَالَّذِي يَلِيقُ أَنْ يُثَلِّثَ بِأَبْوَابِ الزِّنَا عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يُقَدِّمَ كِتَابَ الْمُحَارِبِينَ، وَإِمَّا أَنْ يُؤَخِّرَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِيَعْقُبَهُ بَابُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ فَإِنَّهُ يَلِيقُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ أَبْوَابِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْكِرْمَانِيَّ؛ فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ إِثْمِ الزُّنَاةِ وَلَمْ يَسْتَوْفِهِ كَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ زِيَادَةٌ قَدْ يَرْتَفِعُ بِهَا الْإِشْكَالُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ فَزَادَ: وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الزِّنَا فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَكَأَنَّهُ ضَمَّ حَدَّ الزِّنَا إِلَى الْمُحَارِبِينَ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الْقَتْلِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ بِخِلَافِ الشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُبْدِلَ لَفْظَ كِتَابٍ بِبَابٍ، وَتَكُونَ الْأَبْوَابُ كُلُّهَا دَاخِلَةً فِي كِتَابِ الْحُدُودِ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ اللَّهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ الْآيَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَغَيْرِهَا إِلَى: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: ذَهَبَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ آيَةَ الْمُحَارَبَةِ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، وَسَاقَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ وَفِي آخِرِهِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ الْآيَةَ، وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَالزَّهْرِيُّ قَالَ: وَذَهَبَ