للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابْنِ شِهَابٍ، يَعْنِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رَوَاهُ لِابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَكَانَ ابْنُ وَهْبٍ حَرِيصًا عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ مُرَاعَاةً لِلِاصْطِلَاحِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اصْطَلَحَ عَلَى ذَلِكَ بِمِصْرَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ الْأَنْصَارَ اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ) هُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ قِصَّةِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَسَيَأْتِي فِي الْهِجْرَةِ وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ بِطُولِهِ وَنَسْتَوْفِي شَرْحَهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَمَرُّوا عَلَى الْجُلُوسِ فِي السَّقِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ الْجُلُوسَ فِي السَّقِيفَةِ الْعَامَّةِ لَيْسَ ظُلْمًا.

٢٠ - بَاب لَا يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَة فِي جِدَارِهِ

٢٤٦٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ.

[الحديث ٢٤٦٣ - طرفاه في: ٥٦٢٧، ٥٦٢٨]

قَوْلُهُ: (بَابُ لَا يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِالتَّنْوِينِ عَلَى إِفْرَادِ الْخَشَبَةِ، وَلِغَيْرِهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَهُوَ الَّذِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ اللَّفْظَانِ فِي الْمُوَطَّأِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاحِدِ الْجِنْسُ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي يَتَعَيَّنُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِلَّا فَالْمَعْنَى قَدْ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَمْرَ الْخَشَبَةِ الْوَاحِدَةِ أَخَفُّ فِي مُسَامَحَةِ الْجَارِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْكَثِيرِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَشَايِخِ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ بِالْإِفْرَادِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ: النَّاسُ كُلُّهُمْ يَقُولُونَهُ بِالْجَمْعِ إِلَّا الطَّحَاوِيَّ، وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنِ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي الصَّحِيحِ يَرُدُّ عَلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، إِلَّا إِنْ أَرَادَ خَاصًّا مِنَ النَّاسِ كَالَّذِينِ رَوَى عَنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ فَلَهُ اتِّجَاهٌ.

قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بَدَلَ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ بِشْرُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مَالِكٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بَدَلَ الْأَعْرَجِ، وَوَافَقَهُ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ وَقَالَ: الْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ الْأَوَّلُ. وَقَالَ فِي الْعِلَلِ: رَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بَدَلَ الْأَعْرَجِ، وَكَذَا قَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَلَ الْأَعْرَجِ، وَالْمَحْفُوظُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْأَعْرَجِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْجَمِيعِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَعْ) بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّ لَا نَاهِيَةٌ، وَلِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ. وَلِأَحْمَدَ: لَا يَمْنَعَنَّ؛ بِزِيَادَةِ نُونِ التَّوْكِيدِ، وَهِيَ تُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْجَزْمِ.

قَوْلُهُ: (جَارٌ جَارَهُ. . . إِلَخْ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجِدَارَ إِذَا كَانَ لِوَاحِدٍ وَلَهُ جَارٌ فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ جِذْعَهُ عَلَيْهِ جَازَ سَوَاءٌ أَذِنَ الْمَالِكُ أَمْ لَا، فَإِنِ امْتَنَعَ أُجْبِرَ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَعَنْهُ فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ أَشْهَرُهُمَا اشْتِرَاطُ إِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنِ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى النَّدْبِ، وَالنَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ إِلَّا بِرِضَاهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَجَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ بِالْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ نَجِدْ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحُكْمَ إِلَّا عُمُومَاتٍ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ نَخُصَّهَا، وَقَدْ حَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ