بَغَتَةً. وَقَالَ الْقَزَّازُ: يَعْنِي: تَوَثَّبَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَفْلَتَ الشَّيْءُ فَانْفَلَتَ وَتَفَلَّتَ بِمَعْنًى.
قَوْلُهُ: (الْبَارِحَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى: كُلُّ زَائِلٍ بَارِحٌ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْبَارِحَةُ، وَهِيَ أَدْنَى لَيْلَةٍ زَالَتْ عَنْكَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْبَارِحَةِ أَوْ إِلَى جُمْلَةِ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ.
قُلْتُ: رَوَاهُ شَبَابَةُ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ. وَهُوَ يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: عُرِضَ لِي فِي صُورَةِ هِرٍّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: فَأَخَذْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فَخَنَقْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُ لِسَانَهُ عَلَى يَدِي، وَفَهِمَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ حِينَ عُرِضَ لَهُ غَيْرَ مُتَشَكِّلٍ بِغَيْرِ صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَقَالُوا: إِنَّ رُؤْيَةَ الشَّيْطَانِ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ ﷺ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ فَلَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ﴾ الْآيَةَ. وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ مَبَاحِثِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ ذِكْرِ الْجِنِّ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ص.
قَوْلُهُ: (رَبِّ اعْفَرْ لِي وَهَبْ لِي) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَفِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ هُنَا: رَبِّ هَبْ لِي. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى طَرِيقِ الِاقْتِبَاسِ لَا عَلَى قَصْدِ التِّلَاوَةِ.
قُلْتُ: وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى نَسَقِ التِّلَاوَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ رَوْحٌ فَرَدَّهُ) أَيِ النَّبِيُّ ﷺ رَدَّ الْعِفْرِيتَ (خَاسِئًا) أَيْ مَطْرُودًا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي رِوَايَةِ رَوْحٍ دُونَ رَفِيقِهِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَحْدَهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ أَيْضًا: فَرَدَّهُ خَاسِئًا، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا.
٧٦ - بَاب الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ وَرَبْطِ الْأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ
وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ
٤٦٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
[الحديث ٤٦٢ - أطرافه في: ٤٣٧٢، ٢٤٢٣، ٢٤٢٢، ٤٦٩]
قَوْلُهُ: (بَابُ الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ وَرَبْطِ الْأَسِيرَ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَسَقَطَ لِلْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ قَوْلِهِ وَرَبْطِ الْأَسِيرَ إِلَخْ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَابٌ بِلَا تَرْجَمَةٍ، وَكَأَنَّهُ فَصْلٌ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَّضَ لِلتَّرْجَمَةِ فَسَدَّ بَعْضُهُمُ الْبَيَاضَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ تَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابُ دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ، وَأَيْضًا فَالْبُخَارِيُّ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِإِعَادَةِ لَفَظِ التَّرْجَمَةِ عَقِبَ الْأُخْرَى، وَالِاغْتِسَالُ إِذَا أَسْلَمَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا عَلَى بُعْدٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْكَافِرُ جُنُبٌ غَالِبًا، وَالْجُنُبُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ لَمْ تَبْقَ ضَرُورَةٌ لِلُبْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا، فَاغْتَسَلَ لِتَسُوغَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَادَّعَى ابْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ تَرْجَمَةَ هَذَا الْبَابِ ذِكْرُ الْبَيْعِ