الْأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخُوَّةِ) هَكَذَا حَمَلَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مَنْ آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُمْ، وَحَمَلَهَا غَيْرُهُ عَلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، فَأَسْنَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُحَالِفُ الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ نَسَبٌ فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَنُسِخَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَرِثُهُ، وَعَاقَدَ أَبُو بَكْرٍ مَوْلًى فَوَرِثَهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ نُسِخَتْ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ نَاسِخَ مِيرَاثِ الْحَلِيفِ هَذِهِ الْآيَةُ. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ، فَإِذَا مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا، يَقُولُ: إِلَّا أَنْ تُوصُوا لِأَوْلِيَائِكُمُ الَّذِينَ عَاقَدْتُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقُولُ: دَمِي دَمُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أُمِرُوا أَنْ يُؤْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ السُّدُسُ، ثُمَّ نُسِخَ بِالْمِيرَاثِ فَقَالَ: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾، وَمِنْ طُرُقٍ شَتَّى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى: حَيْثُ كَانَ الْمُعَاقِدُ يَرِثُ وَحْدَهُ دُونَ الْعَصَبَةِ، فَنَزَلَتْ (وَلِكُلٍّ) وَهِيَ آيَةُ الْبَابِ، فَصَارُوا جَمِيعًا يَرِثُونَ، وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ آيَةُ الْأَحْزَابِ، وَخُصَّ الْمِيرَاثُ بِالْعَصَبَةِ، وَبَقِيَ لِلْمُعَاقِدِ النَّصْرُ وَالْإِرْفَادُ وَنَحْوُهُمَا، وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ بَقِيَّةُ الْآثَارِ. وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ أَيْضًا، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ النَّاسِخَ الثَّانِيَ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ وَيُوصَى لَهُ) كَذَا وَقَعَ فِيهِ، وَسَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ بَيَّنَهُ الطَّبَرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَفْظُهُ: ثُمَّ قَالَ (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) مِنَ النَّصْرِ إِلَخْ، فَقَوْلُهُ: مِنَ النَّصْرِ يَتَعَلَّقُ بِآتُوهُمْ لَا بِعَاقَدَتْ وَلَا بِأَيْمَانِكُمْ، وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ، وَالرِّفَادَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ خَفِيفَةٌ: الْإِعَانَةُ بِالْعَطِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (سَمِعَ أَبُو أُسَامَةَ، إِدْرِيسَ. وَسَمِعَ إِدْرِيسُ، طَلْحَةَ) وَقَعَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ، وَقَدْ قَدَّمْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَنْ وَقَعَ عِنْدَهُ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْدِيثِ لِأَبِي أُسَامَةَ مِنْ إِدْرِيسَ، وَلِإِدْرِيسَ مِنْ طَلْحَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٨ - بَاب ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ يَعْنِي: زِنَةَ ذَرَّةٍ
٤٥٨١ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁، أَنَّ أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: نَعَمْ، هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهِ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهِ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ ﷿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: تَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ كُنْتُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute