اثْنَيْنِ؟ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَاخْت لِفَ أَيْضًا: هَلْ هُوَ اعْتِبَارٌ أَوْ تَضْمِينٌ؟ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي، وَفَائِدَتُهُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الثَّمَرَةِ وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَالِكُ الثَّمَرَةَ بَعْدَ الْخَرْصِ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ مَا خَرَصَ.
وَفِيهِ أَشْيَاءُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ كَالْإِخْبَارِ عَنِ الرِّيحِ وَمَا ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ، وَفِيهِ تَدْرِيبُ الْأَتْبَاعِ وَتَعْلِيمُهُمْ، وَأَخْذُ الْحَذَرِ مِمَّا يُتَوَقَّعُ الْخَوْفُ مِنْهُ، وَفَضْلُ الْمَدِينَةِ وَالْأَنْصَارِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْفُضَلَاءِ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّعْيِينِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الْهَدِيَّةِ وَالْمُكَافَأَةِ عَلَيْهَا.
(تَكْمِيلٌ): فِي السُّنَنِ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا: إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ، وَقَالَ بِظَاهِرِهِ اللَّيْثُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ، وَفَهِمَ مِنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ بِحَسَبِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يُتْرَكُ قَدْرُ احْتِيَاجِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ: لَا يُتْرَكُ لَهُمْ شَيْءٌ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْمُتَحَصَّلُ مِنْ صَحِيحِ النَّظَرِ أَنْ يُعْمَلَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَدْرُ الْمُؤْنَةِ، وَلَقَدْ جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا.
قَوْلُهُ: (وقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ (١)) هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ الْغَرِيبِ وَكَلَامُهُ هَذَا فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لَهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: هُوَ مِنَ الرِّيَاضِ كُلُّ أَرْضٍ اسْتَدَارَتْ، وَقِيلَ: كُلُّ أَرْضٍ ذَاتِ شَجَرٍ مُثْمِرٍ وَنَخْلٍ، وَقِيلَ: كُلُّ حُفْرَةٍ تَكُونُ فِي الْوَادِي يُحْتَبَسُ فِيهَا الْمَاءُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فَهُوَ حَدِيقَةٌ، وَيُقَالُ: الْحَدِيقَةُ أَعْمَقُ مِنَ الْغَدِيرِ وَالْحَدِيقَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الزَّرْعِ يَعْنِي أَنَّهُ مِنَ الْمُشْتَرَكِ.
٥٥ - بَاب الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَبِالْمَاءِ الْجَارِي
وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا
١٤٨٣ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنه قَالَ: فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْأَوَّلِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ كَمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ. وَقَالَ بِلَالٌ: قَدْ صَلَّى فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلَالٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْمَاءِ الْجَارِي) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: عَدَلَ عنْ لَفْظِ الْعُيُونِ الْوَاقِعِ فِي الْخَبَرِ إِلَى الْمَاءِ الْجَارِي لِيُجْرِيَهُ مُجْرَى التَّفْسِيرِ لِلْمَقْصُودِ مِنْ مَاءِ الْعُيُونِ، وَأَنَّهُ الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَضْحٍ وَلِيُبَيِّنَ أَنَّ الَّذِي يَجْرِي بِنَفْسِهِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَدِيرٍ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا يَجْرِي مِنَ الْعُيُونِ. انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا) أَيْ: زَكَاةً، وَصَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: جَاءَ كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
(١) كذا في نسخة الشارح وفي نسخة أخرى "قال عبد الله" يعني البخاري، قاله القسطلاني. فتنبه