وَهَذِهِ غَيْرُ دُلْدُلٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى لَهُ بَغْلَةً، وَأَنَّ صَاحِبَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ أَهْدَى لَهُ بَغْلَةً، وَأَنَّ دُلْدُلَ إِنَّمَا أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ. وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ تُسَمَّى فِضَّةَ، وَكَانَتْ شَهْبَاءَ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الْبَغْلَةِ أَنَّ فَرْوَةَ أَهْدَاهَا لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ) أَيْ: بِبَلَدِهِمْ، أَوِ الْمُرَادُ بِأَهْلِ بَحْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا سُكَّانًا بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَا الْتَزَمُوهُ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: بِبَحْرَتِهِمْ؛ أَيْ بَلْدَتِهِمْ، وَقِيلَ: الْبَحْرَةُ الْأَرْضُ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْكِتَابَ، وَهُوَ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ: هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِيُوحَنَّا بْنِ رُوبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ سُفُنُهُمْ وَسَيَّارَتُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، لَهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ. وَسَاقَ بَقِيَّةَ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: (كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكَ) أَيْ: تَمْرُ حَدِيقَتِكَ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَسَأَلَ الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمَ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟. وَقَوْلُهُ: عَشْرَةً بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى الْحَالِ، وَقَوْلُهُ: خَرْصَ بِالنَّصْبِ أَيْضًا إِمَّا بَدَلًا وَإِمَّا بَيَانًا، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ فِيهِمَا، وَتَقْدِيرُهُ: الْحَاصِلُ عَشْرَةُ أَوْسُقٍ، وَهُوَ خَرْصُ رَسُولِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ) ابْنُ بَكَّارٍ هُوَ سَهْلٌ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ شَكَّ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَقَالَ هَذَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْ فَارُوقٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَهْلٍ فَذَكَرَهَا بِهَذَا اللَّفْظِ سَوَاءٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَدِينَةِ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَنْصَارِ فِي مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، فَإِنَّهُ سَاقَ ذَلِكَ هُنَاكَ أَتَمَّ مِمّ اهُنَا. وَقَوْلُهُ: طَابَةُ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَدِينَةِ كَطَيْبَةَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو) يَعْنِي ابْنُ يَحْيَى بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ مَوْصُولَةٌ فِي فضَائِلِ الْأَنْصَارِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ سُلَيْمَانُ) هُوَ ابْنُ بِلَالٍ الْمَذْكُورُ، وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبَّاسٌ هُوَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَهِيَ مَوْصُولَةٌ فِي فَوَائِدِ عَلِيِّ بْنِ خُزَيْمَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَيْ: ابْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَذَكَرَهُ، وَأَوَّلُهُ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَخَذَ طَرِيقَ غُرَابٍ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَرَكَ الْأُخْرَى. فَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَهُ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ بَيَانُ قَوْلِهِ: إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَحَبَّ فَلْيَتَعَجَّلْ مَعِيَ. أَيْ إِنِّي سَالِكٌ الطَّرِيقَ الْقَرِيبَةَ فَمَنْ أَرَادَ فَلْيَأْتِ مَعِيَ، يَعْنِي مِمَّنْ لَهُ اقْتِدَارٌ عَلَى ذَلِكَ دُونَ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ. وَظَهَرَ أَنَّ عُمَارَةَ بْنَ غَزِيَّةَ خَالَفَ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ عَمْرٌو: عَنْ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، وَقَالَ عُمَارَةُ: عَنْ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الْجَمْعِ بِأَنْ يَكُونَ عَبَّاسٌ أَخَذَ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ - وَهُوَ: أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ - عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ مَعًا، أَوْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَنْهُمَا مَعًا، أَوْ كُلُّهُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَمُعْظَمُهُ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا، وَلِذَلِكَ كَانَ لَا يَجْمَعُهُمَا.
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ الْمَذْكُورَةِ: عَبَّاسُ بْنُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ عَبَّاسٌ، عَنْ سَهْلٍ. فَتَرَدَّدَ فِيهِ: هَلْ هُوَ مُرْسَلٌ، أَوْ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ عُمَارَةَ، لَكِنَّ سِيَاقَ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَتَمُّ مِنْ سِيَاقِ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْخَرْصِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ: هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ، فَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا بِوُجُوبِهِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ إِلَّا إِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِمَحْجُورٍ مَثَلًا، أَوْ كَانَ شُرَكَاؤُهُ غَيْرَ مُؤْتَمَنِينَ فَيَجِبُ لِحِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا: هَلْ يَخْتَصُّ بِالنَّخْلِ أَوْ يُلْحَقُ بِهِ الْعِنَبُ أَوْ يَعُمُّ كُلُّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ رَطِبًا وَجَافًّا؟ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَإِلَى الثَّالِثِ نَحَا الْبُخَارِيُّ. وَهَلْ يَمْضِي قَوْلُ الْخَارِصِ أَوْ يَرْجِعُ إِلَى مَا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ بَعْدَ الْجَفَافِ؟ الْأَوَّلُ: قَوْلُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ، وَالثَّانِي: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ. وَهَلْ يَكْفِي خَارِصٌ وَاحِدٌ عَارِفٌ ثِقَةٌ أَوْ لَا بُدَّ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute