للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ضَبْطِ الْحَمْوِ فَصَرَّحَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَمْءٌ بِالْهَمْزِ، وَأَمَّا الْخَطَّابِيُّ فَضَبَطَهُ بِوَاوٍ بِغَيْرِ هَمْزٍ لِأَنَّهُ قَالَ: وَزْنَ دَلْوٍ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، وَابْنُ الْأَثِيرِ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَنَا فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ، وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ إِحْدَاهُمَا حَمٌ بِوَزْنِ أَخٍ، وَالْأُخْرَى حَمَى بِوَزْنِ عَصَا، وَيَخْرُجُ مِنْ ضَبْطِ الْمَهْمُوزِ بِتَحْرِيكِ الْمِيمِ لُغَةٌ أُخْرَى خَامِسَةٌ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمُحْكَمِ.

قَوْلُهُ (الْحَمْوُ الْمَوْتُ) قِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْحَمْوِ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى هَلَاكِ الدِّينِ إِنْ وَقَعَتِ الْمَعْصِيَةُ، أَوْ إِلَى الْمَوْتِ إِنْ وَقَعَتِ الْمَعْصِيَةُ وَوَجَبَ الرَّجْمُ، أَوْ إِلَى هَلَاكِ الْمَرْأَةِ بِفِرَاقِ زَوْجِهَا إِذَا حَمَلَتْهُ الْغَيْرَةُ عَلَى تَطْلِيقِهَا، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّ خَلْوَةَ الرَّجُلِ بِامْرَأَةِ أَخِيهِ أَوِ ابْنِ أَخِيهِ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَوْتِ، وَالْعَرَبُ تَصِفُ الشَّيْءَ الْمَكْرُوهَ بِالْمَوْتِ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ مَثَلًا كَمَا تَقُولُ: الْأَسَدُ الْمَوْتُ، أَيْ لِقَاؤُهُ فِيهِ الْمَوْتُ، وَالْمَعْنَى احْذَرُوهُ كَمَا تَحْذَرُونَ الْمَوْتَ. وَقَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْغَرَائِبِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَلَتْ فَهِيَ مَحَلُّ الْآفَةِ وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَلْيَكُنْ حَمْوُهَا الْمَوْتَ، أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا إِلَّا الْمَوْتُ كَمَا قِيلَ: نِعْمَ الصِّهْرُ الْقَبْرُ، وَهَذَا لَائِقٌ بِكَمَالِ الْغَيْرَةِ وَالْحَمِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ الْحَمْوُ الْمَوْتُ أَيْ فَلْيَمُتْ وَلَا يَفْعَلْ هَذَا. وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِقَرِيبِ الزَّوْجِ أَكْثَرُ مِنَ الْخَلْوَةِ بِغَيْرِهِ، وَالشَّرُّ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْفِتْنَةُ بِهِ أَمْكَنُ لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَرْأَةِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَقَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَحْمَاءِ مُؤَدِّيَةٌ إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْهَلَاكِ فِي الدِّينِ فَجَعَلَهُ كَهَلَاكِ الْمَوْتِ وَأَوْرَدَ الْكَلَامَ مَوْرِدَ التَّغْلِيظِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: الْمَعْنَى أَنَّ دُخُولَ قَرِيبِ الزَّوْجِ عَلَى امْرَأَةِ الزَّوْجِ يُشْبِهُ الْمَوْتَ فِي الِاسْتِقْبَاحِ وَالْمَفْسَدَةِ، أَيْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ مَعْلُومُ التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا بَالَغَ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِإِلْفِهِمْ بِذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَرْأَةِ فَخَرَّجَ هَذَا مَخْرَجَ قَوْلِ الْعَرَبِ: الْأَسَدُ الْمَوْتُ، وَالْحَرْبُ الْمَوْتُ، أَيْ لِقَاؤُهُ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ دُخُولُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ قَدْ يُفْضِي إِلَى مَوْتِ الدِّينِ أَوْ إِلَى مَوْتِهَا بِطَلَاقِهَا عِنْدَ غَيْرَةِ الزَّوْجِ أَوْ إِلَى الرَّجْمِ إِنْ وَقَعَتِ الْفَاحِشَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: الْمَعْنَى أَنَّ خَلْوَةَ الْمَحْرَمِ بِهَا أَشَدُّ مِنْ خَلْوَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَجَانِبِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَسَّنَ لَهَا أَشْيَاءَ وَحَمَلَهَا عَلَى أُمُورٍ تَثْقُلُ عَلَى الزَّوْجِ مِنِ الْتِمَاسِ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، فَتَسُوءُ الْعِشْرَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ لَا يُؤْثِرُ أَنْ يَطَّلِعَ وَالِدُ زَوْجَتِهِ أَوْ أَخُوهَا عَلَى بَاطِنِ حَالِهِ وَلَا عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ اهـ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ، أَيْ: لَابُدَّ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ حَجْبُهُ عَنْهَا، كَمَا أَنَّهُ لَابُدَّ مِنَ الْمَوْتِ، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْأَخِيرِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ.

تَنْبِيهٌ:

مَحْرَمُ الْمَرْأَةِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ إِلَّا أُمَّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَالْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهُمَا حَرَامَانِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَا مَحْرَمِيَّةَ هُنَاكَ، وَكَذَا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَخْرَجَهُنَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ فِي التَّعْرِيفِ: بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لَا لِحُرْمَتِهَا. وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّأْبِيدِ أُخْتُ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا وَبِنْتُهَا إِذَا عَقَدَ عَلَى الْأُمِّ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا.

الحديث الثاني

قَوْلُهُ (سُفْيَانُ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْجِهَادِ بَعْضُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَسُفْيَانُ الْمَذْكُورُ هُوَ الثَّوْرِيُّ لَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مُسْتَوْفَاةً فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ، وَسِيَاقُهُ هُنَاكَ أَتَمُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١١٢ - بَاب مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ