شُعْبَةَ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ لَأُمِنَ فِيهِ التَّدْلِيسُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ شُيُوخِهِ إِلَّا بِمَا لَا تَدْلِيسَ فِيهِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ فَإِنَّهُ زَادَ فِيهِ بَيْنَ الْأَعْمَشِ، وَزَيْدِ بْنِ وَهْبٍ رَجُلًا مُبْهَمًا، ذَكَرَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ، فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُصَرِّحَةُ أَنَّهُ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ.
وَقَدِ اعْتَرَضَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا السَّنَدِ بِهَذَا، فَأَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ هَذِهِ نَظِيرُ رِوَايَتِهِ فَقَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ قِصَّةُ الْمُقِلِّينَ وَالْمُكْثِرِينَ، إِنَّمَا فِيهِ قِصَّةُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنَ الْبُخَارِيِّ كَيْفَ أَطْلَقَ ذَلِكَ ثُمَّ سَاقَهُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَلَفْظُهُ: أَنَّ جِبْرِيلَ بَشَّرَنِي أَنَّ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ. قِيلَ لِسُلَيْمَانَ؛ يَعْنِي الْأَعْمَشَ إِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: إِنَّمَا سَمِعْتُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَبِلَالٍ وَالْأَعْمَشِ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ سَمِعُوا زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، زَادَ فِيهِ رَاوِيًا وَهُوَ بِلَالٌ، وَهُوَ ابْنُ مِرْدَاسٍ الْفَزَارِيُّ، شَيْخٌ كُوفِيٌّ، أَخْرَجَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ صَدُوقٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ كَرِوَايَةِ النَّضْرِ لَيْسَ فِيهِ بِلَالٌ، وَقَدْ تَبِعَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى اعْتِرَاضِهِ الْمَذْكُورِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ مُغْلَطَايْ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَالْجَوَابُ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَاضِحٌ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَصْلُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، فَيَجُوزُ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِذَا أُرِيدَ بِقَوْلِ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا؛ أَيْ بِأَصْلِ الْحَدِيثِ لَا خُصُوصِ اللَّفْظِ الْمُسَاقِ، فَالْأَوَّلُ مِنَ الثَّلَاثَةِ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا بِنَحْوِهِ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ، وَالنُّعْمَانُ الْغِفَارِيُّ، وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَرِوَايَاتُهُمْ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَهُوَ فِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّمَنِّي مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا سَأُبَيِّنُهُ. الثَّانِي: حَدِيثُ الْمُكْثِرِينَ وَالْمُقِلِّينَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا الْمَعْرُورُ بْنُ سُوَيْدٍ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ، وَالنُّعْمَانُ الْغِفَارِيُّ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا.
الثَّالِثُ حَدِيثُ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اللِّبَاسِ، وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَفِيهِ أَيْضًا فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَالَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَلِذَلِكَ قَالَ الْأَعْمَشُ، لِزَيْدٍ: مَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْهُ، قُلْتُ لِزَيْدٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَأَفَادَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ أَنَّ حَبِيبًا، وَعَبْدَ الْعَزِيزِ وَافَقَا الْأَعْمَشَ عَلَى أَنَّهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ لَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَقَالَ: عَنْ عِيسَى بْنِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طريقِهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظِ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ، قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ فَكَرَّرَهَا ثَلَاثًا، وَفِي الثَّالِثَةِ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّةَ طُرُقِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ فَقَالَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلَانِ صَحِيحَيْنِ قُلْتُ: وَفِي حَدِيثِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ مَا لَيْسَ
فِي الْآخَرِ.
١٤ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: مَا يسرني أَنَّ عندي مِثْلَ أُحُدٍ هذا ذَهَبًا
٦٤٤٤ - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute