طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ: بَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ أَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يُنَشِّفُ بِهِ دَمَهُ وَقَالَ: لَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الْأَرْضِ لَنَزَلَ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ مِنَ السَّمَاءِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ، أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَوَقَعَ هُنَا قَبْلَ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَبَعْدَهُ، وَلَعَلَّهُ قَدَّمَ وَأَخَّرَ.
قَوْلُهُ: (دَمَّوْهُ) (١) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ: جَرَحُوهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ.
(تَنْبِيهٌ): حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا الْوَقْعَةَ، فَكَأَنَّهمَا حَمَلَاهَا عَمَّنْ شَهِدَهَا أَوْ سَمِعَاهَا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ.
قَوْلُهُ: (يَعْقُوبُ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ) هِيَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَوْضَحَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ سَبَبَ مَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَى أُحُدٍ وَلَفْظُهُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ خَرَجَ النِّسَاءُ إِلَى الصَّحَابَةِ يُعِينُونَهُمْ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ فِيمَنْ خَرَجَ، فَلَمَّا رَأَتِ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَنَقَتْهُ وَجَعَلَتْ تَغْسِلُ جِرَاحَاتِهِ بِالْمَاءِ فَيَزْدَادُ الدَّمُ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهُ بِالنَّارِ وَكَمَدَتْهُ بِهِ حَتَّى لَصِقَ بِالْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ. وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: فَأَحْرَقَتْ حَصِيرًا حَتَّى صَارَتْ رَمَادًا، فَأَخَذَتْ مِنْ ذَلِكَ الرَّمَادِ فَوَضَعَتْهُ فِيهِ حَتَّى رَقَأَ الدَّمُ وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: ثُمَّ قَالَ يَوْمَئِذٍ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِهِ. ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَقَالَ ابْنُ عَائِذٍ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ الَّذِي رَمَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِأُحُدٍ فَجَرَحَهُ فِي وَجْهِهِ قَالَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ قَمِئَةَ، فَقَالَ: أَقَمْأَكَ اللَّهُ.
قَالَ فَانْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ فَخَرَجَ إِلَى غَنَمِهِ فَوَافَاهَا عَلَى ذُرْوَةِ جَبَلٍ، فَدَخَلَ فِيهَا فَشَدَّ عَلَيْهِ تَيْسُهَا فَنَطَحَهُ نَطْحَةً أَرْدَاهُ مِنْ شَاهِقِ الْجَبَلِ فَتَقَطَّعَ، وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّدَاوِي، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ يُصَابُونَ بِبَعْضِ الْعَوَارِضِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنَ الْجِرَاحَاتِ وَالْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ لِيَعْظُمَ لَهُمْ بِذَلِكَ الْأَجْرُ وَتَزْدَادَ دَرَجَاتُهُمْ رِفْعَةً، وَلِيَتَأَسَّى بِهِمْ أَتْبَاعُهُمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
٢٥ - بَاب ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾
٤٠٧٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ: الزُّبَيْرُ، وَأَبُو بَكْرٍ. لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، قَالَ: مَنْ يَذْهَبُ فِي أثْرِهِمْ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا. قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالزُّبَيْرُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، أَيْ: سَبَبُ نُزُولِهَا، وَأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِأُحُدٍ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ أُحُدٌ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ يَوْمَ الْأَحَدِ سَادِسَ عَشَرَ شَوَّالٍ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مَعَنَا إِلَّا مَنْ حَضَرَ بِالْأَمْسِ، فَاسْتَأْذَنَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ فَأَذِنَ لَهُ، وَإِنَّمَا
(١) الذي في المتن "دموا وجه نبي الله ﷺ".