للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَقْدَارَ غَالِبَةٌ وَالْعَاقِبَةُ غَائِبَةٌ، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْحَالِ، وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَ الدُّعَاءُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ وَبِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي بَعْدَ بَابَيْنِ سُؤَالُ الصَّحَابَةِ عَنْ فَائِدَةِ الْعَمَلِ مَعَ تَقَدُّمِ التَّقْدِيرِ وَالْجَوَابِ عَنْهُ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَظَاهِرُهُ قَدْ يُعَارِضُ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَمْلُ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ، وَحَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى الْأَقَلِّ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ جَائِزًا تَعَيَّنَ طَلَبُ الثَّبَاتِ.

وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عُمُرَهُ الطَّاعَةَ ثُمَّ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ انْتَهَى، وَتَوَقَّفَ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ عَنْهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّ رَاوِيَهُ حَذَفَ مِنْهُ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ: فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، أَوْ أَكْمَلَ الرَّاوِي لَكِنِ اسْتَبْعَدَ عُمَرُ وُقُوعَهُ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، وَيَكُونُ إِيرَادُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّخْوِيفِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ، قَوْلُهُ: (حَمَّاد) هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيِ ابْنُ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ.

قَوْلُهُ: وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: أَيْ: رَبِّ نُطْفَةً، أَيْ رَبِّ عَلَقَةً … إِلَخْ، أَيْ يَقُولُ كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَصِيرُ فِيهِ كَذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِيهِ، وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ، وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ نُطْفَةً النَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَسْتَفْهِمُ هَلْ يَتَكَوَّنُ مِنْهَا أَوْ لَا؟ وَقَوْلُهُ: أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا أَيْ يَأْذَنَ فِيهِ.

٢ - بَاب جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وقوله: ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ : جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ، وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لَهَا سَابِقُونَ﴾ سَبَقَتْ لَهُمْ السَّعَادَةُ.

٦٥٩٦ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرِّشْكُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُعْرَفُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: كُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَوْ لِمَا يُسِّرَ لَهُ.

[الحديث ٦٥٩٦ - طرفه في ٧٥٥١]

قَوْلُهُ: بَابُ بِالتَّنْوِينِ، جَفَّ الْقَلَمُ: أَيْ فَرَغَتِ الْكِتَابَةُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي كُتِبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرَاغِ مِنَ الْكِتَابَةِ ; لِأَنَّ الصَّحِيفَةَ حَالَ كِتَابَتِهَا تَكُونُ رَطْبَةً أَوْ بَعْضَهَا، وَكَذَلِكَ الْقَلَمُ، فَإِذَا انْتَهَتِ الْكِتَابَةُ جَفَّتِ الْكِتَابَةُ وَالْقَلَمُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ مِنْ إِطْلَاقِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ ; لِأَنَّ الْفَرَاغَ مِنَ الْكِتَابَةِ يَسْتَلْزِمُ جَفَافَ الْقَلَمِ عِنْدَ مِدَادِهِ، قُلْتُ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كِتَابَةَ ذَلِكَ انْقَضَتْ مِنْ أَمَدٍ بَعِيدٍ، وَقَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَى جَفَّ الْقَلَمُ، أَيْ: لَمْ يَكْتُبْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا، وَكِتَابُ اللَّهِ وَلَوْحُهُ وَقَلَمُهُ مِنْ غَيْبِهِ وَمِنْ عِلْمِهِ الَّذِي يَلْزَمُنَا الْإِيمَانُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُنَا مَعْرِفَةُ صِفَتِهِ، وَإِنَّمَا خُوطِبْنَا بِمَا عَهِدْنَا فِيمَا فَرَغْنَا مِنْ كِتَابَتِهِ أَنَّ الْقَلَمَ يَصِيرُ جَافًّا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (عَلَى عِلْمِ اللَّهِ) أَيْ عَلَى حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ مَعْلُومَهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ، فَعِلْمُهُ بِمَعْلُومٍ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِوُقُوعِهِ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ﷿ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ نُورِهِ يَوْمَئِذٍ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ، فَلِذَلِكَ