للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَرْوَانَ، فَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ فَجَعَلُوا كُلَّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ، قَالَ: وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ﷺ أَحَالَ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ عَلَى أَمْرٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَدَدِ، فَعَشَرَةٌ مَثَلًا وَزْنُ عَشَرَةٍ، وَعَشَرَةٌ وَزْنُ ثَمَانِيَةٍ، فَاتَّفَقَ الرَّأْيُ عَلَى أَنْ تُنْقَشَ بِكِتَابَةٍ عَرَبِيَّةٍ وَيَصِيرُ وَزْنُهَا وَزْنًا وَاحِدًا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمِثْقَالُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَأَمَّا الدِّرْهَمُ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي أَنَّ نِصَابَ الزَّكَاةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ يَبْلُغُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ مِثْقَالًا مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ إِلَّا ابْنَ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيَّ، فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ كُلَّ أَهْلِ بَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ بِدَرَاهِمِهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتِلَافًا فِي الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَرَاهِمِ الْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهَا مِنْ دَرَاهِمِ الْبِلَادِ، وَكَذَا خَرَقَ الْمَرِّيسِيُّ الْإِجْمَاعَ فَاعْتَبَرَ النِّصَابَ بِالْعَدَدِ لَا الْوَزْنِ، وَانْفَرَدَ السَّرْخَسِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِحِكَايَةِ وَجْهٍ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ إِذَا بَلَغَتْ قَدْرًا لَوْ ضُمَّ إِلَيْهِ قِيمَةُ الْغِشِّ مِنْ نُحَاسٍ مَثَلًا لَبَلَغَ نِصَابًا، فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا إِذَا نَقَصَ مِنَ النِّصَابِ وَلَوْ حَبَّةٌ وَاحِدَةٌ، خِلَافًا لِمَنْ سَامَحَ بِنَقْصٍ يَسِيرٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (أَوْسُقٍ) جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَجَمْعُهُ حِينَئِذٍ أَوْسَاقٌ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا بِالِاتِّفَاقِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ: وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، وَأَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا لَكِنْ قَالَ: سِتُّونَ مَخْتُومًا (١) وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ الْمَكِيلِ بِالْأَوْسُقِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلَفَظُ دُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِمَعْنَى أَقَلَّ، لَا أَنَّهُ نَفَى عَنْ غَيْرِ الْخَمْسِ الصَّدَقَةَ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الزُّرُوعَ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْحَدِيثُ لِلْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَحْدُودِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا فِي الْأَوْسَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقَصَ فِيهَا، وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ كَذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَتَّى يَبْلُغَ النِّصَابَ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَجَعَلَ لَهَا وَقَصًا كَالْمَاشِيَةِ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الطَّبَرَانِيُّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ، وَالْجَامِعُ كَوْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُسْتَخْرَجَيْنِ مِنَ الْأَرْضِ بِكُلْفَةٍ وَمُؤْنَةٍ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَمَا زَادَ.

(فَائِدَةٌ): أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ دُونَ الْمُعَشَّرَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٣٣ - بَاب الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ

وَقَالَ طَاوُسٌ قَالَ مُعَاذٌ ﵁ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،


(١) ثم روى أبو داود بعد ما ذكر اللفظ المذكور عن إبراهيم النخعي ما نصه قال: الوسق ستون صاعا مختوما بالحجاجي. وبما قاله إبراهيم المذكورين يعرف معنى قوله "مختوما" في الرواية التي ذكرها الشارح. والله أعلم