آكِلُ رِبًا خَائِنٌ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّهَادَاتِ فِي بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا﴾. ثُمَّ سَاقَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ السَّكْسَكِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: أَقَامَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى فِيهَا مَا لَمْ يُعْطَ فَنَزَلَتْ.
قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: النَّاجِشُ آكِلُ رَبًا خَائِنٌ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ السَّكْسَكِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ يَزِيدَ مُقْتَصِرِينَ عَلَى الْمَوْقُوفِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا لَكِنْ قَالَ: مَلْعُونٌ بَدَلَ خَائِنٌ اهـ.
وَأَطْلَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى عَلَى مَنْ أَخْبَرَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ أَنَّهُ نَاجِشٌ لِمُشَارَكَتِهِ لِمَنْ يَزِيدُ فِي السِّلْعَةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فِي غُرُورِ الْغَيْرِ فَاشْتَرَكَا فِي الْحُكْمِ لِذَلِكَ، وَكَوْنُهُ آكِلَ رَبًا بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ إِنْ وَاطَأَهُ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَ لَهُ عَلَيْهِ جَعْلًا فَيَشْتَرِكَانِ جَمِيعًا فِي الْخِيَانَةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَفْسِيرِ النَّجْشِ فِي الشَّرْعِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَابْنُ حَزْمٍ التَّحْرِيمَ بِأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فَوْقَ ثَمَنِ الْمِثْلِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَأَى سِلْعَةَ رَجُلٍ تُبَاعُ بِدُونِ قِيمَتِهَا فَزَادَ فِيهَا لِتَنْتَهِيَ إِلَى قِيمَتِهَا لَمْ يَكُنْ نَاجِشًا عَاصِيًا، بَلْ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ بِنِيَّتِهِ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَمْ تَتَعَيَّنِ النَّصِيحَةُ فِي أَنْ يُوهِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ الشِّرَاءَ وَلَيْسَ مِنْ غَرَضِهِ بَلْ غَرَضُهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ أَكْثَرَ مِمَّا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ، فَلِلَّذِي يُرِيدُ النَّصِيحَةَ مَنْدُوحَةٌ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يُعْلِمَ الْبَائِعَ بِأَنَّ قِيمَةَ سِلْعَتِكَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ هُوَ بِاخْتِيَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِعْلَامُهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَهُ لِلْحَدِيثِ الْآتِي دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ لَا يَحِلُّ) هُوَ مَنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفِ، وَلَيْسَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَوْجِيهَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ النَّبِيُّ ﷺ الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) أَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَسَيَأْتِي مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ، وَأَمَّا حَدِيثُ: الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ فَرَوَيْنَاهُ فِي الْكَامِلِ لِابْنِ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ لَكُنْتُ مِنْ أَمْكَرِ النَّاسِ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ، لَكِنَّ مَجْمُوعَهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمَتْنِ أَصْلًا، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الْبِرِّ وَالصِّلَةِ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فَذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (عَنِ النَّجْشِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ فِيهِ السُّكُونَ.
٦١ - بَاب بَيْعِ الْغَرَرِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ
٢١٤٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا.
[الحديث ٢١٤٣ - طرفاه في: ٢٢٥٦، ٣٨٤٣]
قَوْلُهُ: (بَابُ بَيْعِ الْغَرَرِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِرَاءَيْنِ (و) بَيْعِ (حَبَلِ الْحَبَلَةِ) بِفَتْحِ الْمُهْلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ فِي الْأَوَّلِ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَغَلَّطَهُ عِيَاضٌ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَبِلَتْ تَحْبَلُ حَبَلًا وَالْحَبَلَةُ جَمْعُ حَابِلٍ مِثْلَ: ظَلَمَةٍ وَظَالِمٍ، وَكَتَبَةٍ وَكَاتِبٍ، وَالْهَاءُ