وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ) اسْمُ قَائِلِ ذَلِكَ مِنْهُمْ نَضْلَةُ الْأَسْلَمِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالُوا: بَيْنَا مِحْجَنُ بْنُ الْأَدْرعِ يُنَاضِلُ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ نَضْلَةُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقَالَ نَضْلَةُ وَأَلْقَى قَوْسَهُ مِنْ يَدِهِ: وَاللَّهِ لَا أَرْمِي مَعَهُ وَأَنْتَ مَعَهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ: وَأَنَا مَعَ جَمَاعَتِكُمْ وَالْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ مَعِيَّةُ الْقَصْدِ إِلَى الْخَيْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَامَ مَقَامَ الْمُحَلِّلِ فَيَخْرُجُ السَّبْقُ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا يَخْرُجُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْإِمَامِ قَالَ الْمُهَلَّبُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ صَارَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ الْمُنَاضِلِينَ لَهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ حَيْثُ أَمْسَكُوا لِكَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ خَشْيَةَ أَنْ يَغْلِبُوهُمْ فَيَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْغَلَبُ فَأَمْسَكُوا عَنْ ذَلِكَ تَأَدُّبًا مَعَهُ انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَمْسَكُوا لَهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي هَذَا بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَمْسَكُوا لَمَّا اسْتَشْعَرُوا مِنْ قُوَّةِ قُلُوبِ أَصْحَابِهِمْ بِالْغَلَبَةِ حَيْثُ صَارَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَهُمْ وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْوُجُوهِ الْمُشْعِرَةِ بِالنَّصْرِ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: فَقَالُوا مَنْ كُنْتَ مَعَهُ فَقَدْ غَلَبَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَقَالَ نَضْلَةُ: لَا نَغْلِبُ مَنْ كُنْتَ مَعَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْيَمَنَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ. وَفِيهِ أَنَّ الْجَدَّ الْأَعْلَى يُسَمَّى أَبًا، وَفِيهِ التَّنْوِيهُ بِذِكْرِ الْمَاهِرِ فِي صِنَاعَتِهِ بِبَيَانِ فَضْلِهِ وَتَطْيِيبِ قُلُوبِ مَنْ هُمْ دُونَهُ، وَفِيهِ حُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ ﷺ وَمَعْرِفَتُهُ بِأُمُورِ الْحَرْبِ، وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى اتِّبَاعِ خِصَالِ الْآبَاءِ الْمَحْمُودَةِ وَالْعَمَلِ بِمِثْلِهَا، وَفِيهِ حُسْنُ أَدَبِ الصَّحَابَةِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي أُسَيْدٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَحْدَهُ بِفَتْحِهَا وَهُوَ خَطَأٌ. وَقَوْلُهُ: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ كَذَا فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، وَالْكَثَبُ بِفَتْحَتَيْنِ الْقُرْبُ، فَالْمَعْنَى إِذَا دَنَوْا مِنْكُمْ، وَقَدِ اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الَّذِي يَلِيقُ بِالدُّنُوِّ الْمُطَاعَنَةُ بِالرُّمْحِ وَالْمُضَارَبَةُ بِالسَّيْفِ، وَأَمَّا الَّذِي يَلِيقُ بِرَمْيِ النَّبْلِ فَالْبُعْدُ، وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ مَعْنَى أَكْثَبُوكُمْ كَاثَرُوكُمْ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبْلَ إِذَا رُمِيَ فِي الْجَمْعِ لَمْ يُخْطِئْ غَالِبًا فَفِيهِ رَدْعٌ لَهُمْ، وَقَدْ تُعُقِبَّ هَذَا التَّفْسِيرُ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ، وَتَفْسِيرُ الْكَثَبِ بِالْكَثْرَةِ غَرِيبٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ حَيْثُ زَادَ فِي آخِرِهِ: وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: وَلَا تَسُلُّوا السُّيُوفَ حَتَّى يَغْشَوْكُمْ فَظَهَرَ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِتَرْكِ الرَّمْي وَالْقِتَالِ حَتَّى يَقْرَبُوا لِأَنَّهُمْ إِذَا رَمَوْهُمْ عَلَى بُعْدٍ قَدْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِمْ وَتَذْهَبُ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ وَعَرَّفَ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَسُلُّوا السُّيُوفَ حَتَّى يَغْشَوْكُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْبِ الْمَطْلُوبِ فِي الرَّمْيِ قُرْبٌ نِسْبِيٌّ بِحَيْثُ تَنَالُهُمُ السِّهَامُ لِأَقْرَبِ قَرِيبٍ بِحَيْثُ يَلْتَحِمُونَ مَعَهُمْ وَالنَّبْلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ نَبْلَةٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى نِبَالِ وَهِيَ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ اللِّطَافُ
(تَنْبِيهٌ):
وَقَعَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافٌ سَأُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ.
٧٩ - بَاب اللَّهْوِ بِالْحِرَابِ وَنَحْوِهَا
٢٩٠١ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ بِحِرَابِهِمْ دَخَلَ عُمَرُ فَأَهْوَى إِلَى الْحَصَى فَحَصَبَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute