نَزَلَتْ ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ فَلَمْ يَنْتَفِ الِاحْتِمَالُ، وَمِنْهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ ﷺ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا، فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِنَّمَا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ
وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَانٍ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْقُدْسِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ جَزْمًا وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ مُسْتَمِرًّا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَرَأْتُ سُورَةً نَحْوَ بَرَاءَةٌ فَغِبْتُ وَحَفِظْتُ مِنْهَا: وَلَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى وَادِيًا ثَالِثًا الْحَدِيثَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: كُنَّا نَقْرَأُ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِلْءَ وَادٍ مَالًا لَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِثْلَهُ الْحَدِيثَ.
١١ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: هَذَا الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَقَوله تَعَالَى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ.
٦٤٤١ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: إن هَذَا الْمَالُ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ لِي يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ - خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا فِي بَابِ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ﴾ الْآيَةَ، كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِأَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ ﴿حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾ الْآيَةَ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِثْلُ أَبِي ذَرٍّ، وَزَادَ: إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وَسَاقَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ. وَقَوْلُهُ زُيِّنَ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَرْكِ الْإِفْصَاحِ بِالَّذِي زُيِّنَ أَنْ يَتَنَاوَلَ اللَّفْظُ جَمِيعَ مَنْ تَصِحُّ نِسْبَةُ التَّزْيِينِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ أَحَاطَ بِأَنَّهُ ﷾ هُوَ الْفَاعِلُ بِالْحَقِيقَةِ، فَهُوَ الَّذِي أَوْجَدَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَهَيَّأَهَا لِلِانْتِفَاعِ، وَجَعَلَ الْقُلُوبَ مَائِلَةً إِلَيْهَا، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِالتَّزْيِينِ لِيَدْخُلَ فِيهِ حَدِيثُ النَّفْسِ وَوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ، وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِاعْتِبَارِ الْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّهْيِئَةِ، وَنِسْبَةُ ذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ بِاعْتِبَارِ مَا أَقْدَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّسَلُّطِ عَلَى الْآدَمِيِّ بِالْوَسْوَسَةِ النَّاشِئِ عَنْهَا حَدِيثُ النَّفْسِ.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ بَدَأَ فِي الْآيَةِ بِالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ فِتْنَةً لِلرِّجَالِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ: مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ قَالَ: وَمَعْنَى تَزْيِينِهَا إِعْجَابُ الرَّجُلِ بِهَا وَطَوَاعِيَتُهُ لَهَا، وَالْقَنَاطِيرُ جَمْعُ قِنْطَارٍ، وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِهِ فَقِيلَ: سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيلَ: سَبْعَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَقِيلَ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا، وَقِيلَ: مِائَةُ رِطْلٍ وَقِيلَ: أَلْفُ مِثْقَالٍ وَقِيلَ: أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute