للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَعْرُوفِينَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، لَكِنَّ النَّاقِدَ أَخَصُّ مِنْ غَيْرِهِ بِالرِّوَايَةِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، وَرِوَايَةُ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ، بَلْ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنَ ابْنِ شِهَابٍ وَأَقْدَمُ سَمَاعًا، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَدْ سَمِعَ مِنَ ابْنِ شِهَابٍ كَمَا سَيَأْتِي تَصْرِيحُهُ بِتَحْدِيثِهِ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بَعْدَ بَابٍ وَاحِدٍ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِنَّ اللَّهَ تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ الْوَحْيَ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَيْ أَكْثَرَ إِنْزَالَهُ قُرْبَ وَفَاتِهِ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوُفُودَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَثُرُوا وَكَثُرَ سُؤَالُهُمْ عَنِ الْأَحْكَامِ فَكَثُرَ النُّزُولُ بِسَبَبِ ذَلِكَ. وَوَقَعَ لِي سَبَبُ تَحْدِيثِ أَنَسٍ بِذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنِ الْإِمَامِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: هَلْ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِ النَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ؟ قَالَ: أَكْثَرَ مَا كَانَ وَأَجَمَّهُ أَوْرَدَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ) أَيِ الزَّمَانُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ وَفَاتُهُ كَانَ نُزُولُ الْوَحْيِ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَزْمِنَةِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ بَعْدُ) فِيهِ إِظْهَارُ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْغَايَةُ فِي قَوْلِهِ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ أَخِيرًا عَلَى خِلَافِ مَا وَقَعَ أَوَّلًا، فَإِنَّ الْوَحْيَ فِي أَوَّلِ الْبَعْثَةِ فَتَرَ فَتْرَةً ثُمَّ كَثُرَ، وَفِي أَثْنَاءِ النُّزُولِ بِمَكَّةَ لَمْ يَنْزِلْ مِنَ السُّوَرِ الطِّوَالِ إِلَّا الْقَلِيلُ، ثُمَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ نَزَلَتِ السُّوَرُ الطِّوَالُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى غَالِبِ الْأَحْكَامِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ الزَّمَنُ الْأَخِيرُ مِنَ الْحَيَاةِ النَّبَوِيَّةِ أَكْثَرَ الْأَزْمِنَةِ نُزُولًا بِالسَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ، وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِشَارَةَ إِلَى كَيْفِيَّةِ النُّزُولِ.

الْحَدِيثُ الْسَّادِسُ:

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ قَرِيبًا فِي سُورَةِ وَالضُّحَى، وَوَجْهُ إِيرَادِهِ فِي هَذَا الْبَابِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ تَأْخِيرَ النُّزُولِ أَحْيَانًا إِنَّمَا كَانَ يَقَعُ لِحِكْمَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ لَا لِقَصْدِ تَرْكِهِ أَصْلًا، فَكَانَ نُزُولُهُ عَلَى أَنْحَاءٍ شَتَّى: تَارَةً يَتَتَابَعُ، وَتَارَةً يَتَرَاخَى. وَفِي إِنْزَالِهِ مُفَرَّقًا وُجُوهٌ مِنَ الْحِكْمَةِ: مِنْهَا تَسْهِيلُ حِفْظِهِ لِأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ لَا يَقْرَأُ غَالِبُهُمْ وَلَا يَكْتُبُ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ. وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ رَدًّا عَلَى الْكُفَّارِ: وَقَالُوا ﴿لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ﴾ - أَيْ أَنْزَلْنَاهُ مُفَرَّقًا - ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ وَمِنْهَا مَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الشَّرَفِ لَهُ وَالْعِنَايَةِ بِهِ لِكَثْرَةِ تَرَدُّدِ رَسُولِ رَبِّهِ إِلَيْهِ يُعْلِمُهُ بِأَحْكَامِ مَا يَقَعُ لَهُ وَأَجْوِبَةِ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْحَوَادِثِ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَنَاسَبَ أَنْ يَنْزِلَ مُفَرَّقًا، إِذْ لَوْ نَزَلَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَشَقَّ بَيَانُهَا عَادَةً. وَمِنْهَا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ أَنْ يَنْسَخَ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا شَاءَ، فَكَانَ إِنْزَالُهُ مُفَرَّقًا لِيَنْفَصِلَ النَّاسِخُ مِنَ الْمَنْسُوخِ أَوْلَى مِنْ إِنْزَالِهِمَا مَعًا. وَقَدْ ضَبَطَ النَّقَلَةُ تَرْتِيبَ نُزُولِ السُّوَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي باب تأليف القرآن ولم يضبطوا من ترتيب نزول الآيات إلا قليلا، وقد تقدم في تفسير اقرأ باسم ربك أنها أول سورة نزلت، ومع ذلك فنزل من أولها أولا خمس آيات، ثم نزل باقيها بعد ذلك، وكذلك سورة المدثر التي نزلت بعدها نزل أولها أولا ثم نزل سائرها بعد. وأوضح من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن الثلاثة، وصححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس عن عثمان قال: كان النبي ينزل عليه الآيات فيقول: ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

٢ - بَاب نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ، ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾، ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾

٤٩٨٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: فَأَمَرَ عُثْمَانُ، زَيْدَ