ذِكْرُهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ فَهُوَ ابْنُ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لِأَبِيهِ وَلِجَدِّهِ صُحْبَةٌ وَلَهُ هُوَ رُؤْيَةٌ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بَبَّةَ بِمُوَحَّدَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ الثَّانِيَةُ ثَقِيلَةٌ.
قَوْلُهُ: ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ) كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَظَنَّ ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ مُغَايِرٌ لِحَدِيثَيْ سَهْلِ وَالْبَرَاءِ فَقَالَ: الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِي الشَّيْءِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذَا مِثْلَهُ، وَزَادَ: لَمَّا نَزَلَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَيَانِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَنَا رُخْصَةٌ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ فَهَؤُلَاءِ الْقَاعِدُونَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ﴾ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، هَكَذَا أَوْرَدَهُ سِيَاقًا وَاحِدًا، وَمِنْ قَوْلِهِ: دَرَجَةً إِلَخْ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بَيَّنَهُ الطَّبَرِيُّ، فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجٍ نَحْوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ إِلَى قَوْلِهِ: دَرَجَةً وَوَقَعَ عِنْدَهُ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ وَهُوَ الصَّوَابُ فِي ابْنِ جَحْشٍ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخُوهُ، وَأَمَّا هُوَ فَاسْمُهُ عَبْدٌ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ﴾ قَالَ: عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَحَاصِلُ تَفْسِيرِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ الْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، وَأَمَّا أُولُو الضَّرَرِ فَمُلْحَقُونَ فِي الْفَضْلِ بِأَهْلِ الْجِهَادِ إِذَا صَدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً؛ أَيْ: مِنْ أُولِي الضَّرَرِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ﴾ أَيْ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَنَسٍ، وَلَا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنِ اسْتِوَاءِ أُولِي الضَّرَرِ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ؛ لِأَنَّهَا اسْتَثْنَتْ أُولِي الضَّرَرِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِوَاءِ، فَأَفْهَمَتْ إِدْخَالَهُمْ فِي الِاسْتِوَاءِ، إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اسْتِوَاؤُهُمْ فِي أَصْلِ الثَّوَابِ لَا فِي؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْتَحِقَ بِالْجِهَادِ فِي ذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا اتِّخَاذُ الْكَاتِبِ، وَتَقْرِيبُهُ، وَتَقْيِيدُ الْعِلْمِ بِالْكِتَابَةِ.
١٩ - بَاب ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ الْآيَةَ
٤٥٩٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ، فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ، يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، يَأْتِي السَّهْمُ يرمى بِهِ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ الْآيَةَ. رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ.
[الحديث ٤٥٩٦ - طرفه في: ٧٠٨٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute