تَعْيِينُهَا يَذْكُرُ كَوْنَهَا مَزِيدَةً مَعَ إِبْهَامِهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ الْحَالُ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ تَمْيِيزُهَا لَا تَعْيِينًا وَلَا إِبْهَامًا، أَنْ يَكُونَ ذَهِلَ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ عَيَّنَ، أَوْ مَيَّزَ، فَذَهِلَ عَنْهُ بَعْضُ مَنْ سَمِعَ، وَيَتَرَجَّحُ كَوْنُ الْخَصْلَةِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ الْمَزِيدَةَ بِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ مُسْتَقِلَّةٌ؛ فَإِنَّ كُلَّ أَمْرٍ يُكْرَهُ يُلَاحَظُ فِيهِ جِهَةُ الْمَبْدَأِ، وَهُوَ سُوءُ الْقَضَاءِ وَجِهَةُ الْمَعَادِ وَهُوَ دَرَكُ الشَّقَاءِ؛ لِأَنَّ شَقَاءَ الْآخِرَةِ هُوَ الشَّقَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَجِهَةُ الْمَعَاشِ وَهُوَ جَهْدُ الْبَلَاءِ، وَأَمَّا شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ فَتَقَعُ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ لَهُ كُلٌّ مِنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: جَهْدُ الْبَلَاءِ، كُلُّ مَا أَصَابَ الْمَرْءَ مِنْ شِدَّةِ مَشَقَّةٍ وَمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِحَمْلِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِجَهْدِ الْبَلَاءِ قِلَّةُ الْمَالِ وَكَثْرَةُ الْعِيَالِ، كَذَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ جَهْدِ الْبَلَاءِ.
وَقِيلَ: هُوَ مَا يَخْتَارُ الْمَوْتَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَدَرَكُ الشَّقَاءِ يَكُونُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَفِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ سُوءُ الْقَضَاءِ عَامٌّ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْخَاتِمَةِ وَالْمَعَادِ، قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ هُنَا الْمَقْضِيُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ كُلَّهُ حَسَنٌ لَا سُوءَ فِيهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقَضَاءُ: الْحُكْمُ بِالْكُلِّيَّاتِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فِي الْأَزَلِ، وَالْقَدَرُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي لِتِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ مَا يَنْكَأُ الْقَلْبَ، وَيَبْلُغُ مِنَ النَّفْسِ أَشَدَّ مَبْلَغٍ، وَإِنَّمَا تَعَوَّذَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ ذَلِكَ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - كَانَ آمَنَهُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ عِيَاضٌ. قُلْتُ: وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعَاذَ بِرَبِّهِ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ بِأُمَّتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسَدَّدٍ الْمَذْكُورَةُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا قَدَّمْتُهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ فَرَحُهُمْ بِبَلِيَّةٍ تَنْزِلُ بِالْمُعَادِي، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَأَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ مِنَ الزُّهَّادِ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَلَامَ الْمَسْجُوعَ لَا يُكْرَهُ إِذَا صَدَرَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ وَلَا تَكَلُّفٍ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَ: وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الِاسْتِعَاذَةِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ كَوْنُ مَا سَبَقَ فِي الْقَدَرِ لَا يُرَدُّ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا قَضَى، فَقَدْ يُقْضَى عَلَى الْمَرْءِ مَثَلًا بِالْبَلَاءِ، وَيُقْضَى أَنَّهُ إِنْ دَعَا كُشِفَ، فَالْقَضَاءُ مُحْتَمِلٌ لِلدِّفَاعِ وَالْمَدْفُوعِ، وَفَائِدَةُ الِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ إِظْهَارُ الْعَبْدِ فَاقَتَهُ لِرَبِّهِ وَتَضَرُّعَهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ.
٢٩ - بَاب دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى
٦٣٤٨ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: لَنْ يُقْبَضَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى، قُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارُنَا، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى.
قَوْلُهُ: (بَاب) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ، ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ وَفِيهِ قَوْلُهُ ﷺ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute