مِنْ أَسْطَاعَ وَضَمِّ الْيَاءِ مِنْ يَسْطِيعُ.
قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ أَلْزَقَهُ بِالْأَرْضِ، وَيُقَالُ نَاقَةٌ دَكَّاءُ لَا سَنَامَ لَهَا وَالدِّكْدَاكُ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلُهُ حَتَّى صَلُبَ وَتَلَبَّدَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ ﴿جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ أَيْ تَرَكَهُ مَدْكُوكًا أَيْ أَلْزَقَهُ بِالْأَرْضِ، وَيُقَالُ نَاقَةٌ دَكَّاءَ أَيْ لَا سَنَامَ لَهَا مُسْتَوِيَةُ الظَّهْرِ، وَالْعَرَبُ تَصِفُ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِمَصْدَرِهِمَا فَمِنْ ذَلِكَ جَعَلَهُ دَكًّا أَيْ مَدْكُوكًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ قَتَادَةُ (حَدَبٌ) أَكَمَةٌ) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ قَالَ مِنْ كُلِّ أَكَمَةٍ. وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ قَبِيلَتَانِ مِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، رَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: يَأْجُوجُ أُمَّةٌ وَمَأْجُوجُ أُمَّةٌ، كُلُّ أُمَّةٍ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ لَا يَمُوتُ أَحَدُهُمْ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ صُلْبِهِ كُلُّهُمْ قَدْ حَمَلَ السِّلَاحَ، لَا يَمُرُّونَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا خَرَجُوا إِلَّا أَكَلُوهُ، وَيَأْكُلُونَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ. وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ أَشَارَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى حِكَايَةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ آدَمَ نَامَ فَاحْتَلَمَ فَاخْتَلَطَ مَنِيُّهُ بِتُرَابٍ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ وَلَدٌ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ نَسْلِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ مُنْكَرٌ جِدًّا لَا أَصْلَ لَهُ إِلَّا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي التِّيجَانِ أَنَّ أُمَّةً مِنْهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ فَتَرَكَهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ لَمَّا بَنَى السَّدَّ بِأَرْمِينِيَّةَ فَسُمُّوا التُّرْكَ لِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: رَأَيْتَ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ رَأَيْتَ سَدَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ طَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ وَطَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ. قَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ وَرِوَايَةُ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجُلَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً مُنْكَرَةً وَهِيَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْحَنَفِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَرَجُلٌ رَأَى السَّدَّ فَسَاقَهُ مُطَوَّلًا. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ مَوْصُولَةً
أَحَدُهَا: حَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فِي ذِكْرِ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ.
ثَانِيهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ بِاخْتِصَارٍ وَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا.
ثَالِثُهَا: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي بَعْثِ النَّارِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ. وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا ذِكْرُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَالْإِشَارَةُ إِلَى كَثْرَتِهِمْ وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ نَحْوُ عُشْرِ عُشْرِ الْعُشْرِ وَأَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ.
٨ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا﴾ وَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ﴾ وَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ
٣٣٤٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي، أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ،