يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ، كَمَا إِذَا كَانَ عَلَى الْخَلَاءِ أَوْ فِي الْجَمَاعَةِ فَيُؤَخِّرُ ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ فَيُشَمَّتُ، فَلَوْ خَالَفَ فَحَمِدَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ هَلْ يَسْتَحِقُّ التَّشْمِيتَ؟ فِيهِ نَظَرٌ.
١٢٥ - بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْعُطَاسِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ التَّثَاؤُبِ
٦٢٢٣ - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ. وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ هَاء ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْعُطَاسِ وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّثَاؤُبِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَالْكَرَاهَةِ فِيهِمَا مُنْصَرِفٌ إِلَى سَبَبِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعُطَاسَ يَكُونُ مِنْ خِفَّةِ الْبَدَنِ وَانْفِتَاحِ الْمَسَامِّ وَعَدَمِ الْغَايَةِ فِي الشِّبَعِ وَهُوَ بِخِلَافِ التَّثَاؤُبِ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ عِلَّةِ امْتِلَاءِ الْبَدَنِ وَثِقَلِهِ مِمَّا يَكُونُ نَاشِئًا عَنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالتَّخْلِيطِ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ يَسْتَدْعِي النَّشَاطَ لِلْعِبَادَةِ وَالثَّانِي عَلَى عَكْسِهِ.
قَوْلُهُ: (سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) هَكَذَا قَالَ آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَتَابَعَهُ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَخَالَفَهُمُ الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ أَبِيهِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ الطَّيَالِسِيِّ. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ أَبِيهِ، وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ: عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ) يَعْنِي الَّذِي لَا يَنْشَأُ عَنْ زُكَامٍ، لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ فِيهِ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّشْمِيتِ، وَيَحْتَمِلُ التَّعْمِيمَ فِي نَوْعَيِ الْعُطَاسِ وَالتَّفْصِيلُ فِي التَّشْمِيتِ خَاصَّةً، وَقَدْ وَرَدَ مَا يَخُصُّ بَعْضَ أَحْوَالِ الْعَاطِسِينَ، فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ قَالَ: الْعُطَاسُ وَالنُّعَاسُ وَالتَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الطَّبَرَانِيِّ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ النُّعَاسَ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا.
قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: لَا يُعَارِضُ هَذَا حديث أبي هريرة - يعني حَدِيثُ الْبَابِ فِي مَحَبَّةِ الْعُطَاسِ وَكَرَاهَةِ التَّثَاؤُبِ - لِكَوْنِهِ مقيدا بِحَالِ الصَّلَاةِ، فَقَدْ يَتَسَبَّبُ الشَّيْطَانُ فِي حُصُولِ الْعُطَاسِ لِلْمُصَلِّي لِيَشْغَلَهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْعُطَاسَ إِنَّمَا لَمْ يُوصَفْ بِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِخِلَافِ التَّثَاؤُبِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي التَّثَاؤُبِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدُ: فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الْعُطَاسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ وَيُحِبُّ الْعُطَاسَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا يُعَارِضُ حَدِيثَ جَدِّ عَدِيٍّ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي إِخْرَاجِ الْعَطْسَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَبْعٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَذَكَرَ مِنْهَا شِدَّةَ الْعُطَاسِ.
قَوْلُهُ: (فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ مُبَادَرَةِ الْعَاطِسِ بِالتَّحْمِيدِ، وَنَقَلَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَنَّى فِي حَقِّهِ حَتَّى يَسْكُنَ وَلَا يُعَاجِلْهُ بِالتَّشْمِيتِ، قَالَ: وَهَذَا فِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ شَرْطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute