لَجَازَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِصِدْقِ الْقَاذِفِ فَكَانَتْ تِلْكَ شُبْهَةً قَوِيَّةً.
وَفِيهِ دُخُولُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ، وَفِيهِ قَبُولُ تَوْبَةِ السَّارِقِ، وَمَنْقَبَةٌ لِأُسَامَةَ، وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاطِمَةَ ﵍ عِنْدَ أَبِيهَا ﷺ فِي أَعْظَمِ الْمَنَازِلِ؛ فَإِنَّ فِي الْقِصَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا الْغَايَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مُنَاسَبَةُ اخْتِصَاصِهَا بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ رِجَالِ أَهْلِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ كَوْنَ اسْمِ صَاحِبَةِ الْقِصَّةِ وَافَقَ اسْمَهَا وَلَا تَنْتَفِي الْمُسَاوَاةُ.
وَفِيهِ تَرْكُ الْمُحَابَاةِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَلَدًا أَوْ قَرِيبًا أَوْ كَبِيرَ الْقَدْرِ وَالتَّشْدِيدُ فِي ذَلِكَ وَالْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلشَّفَاعَةِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْكَبِيرِ الْقَدْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْفِعْلِ وَمَرَاتِبُ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا يَحِقُّ نَدْبُ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ؛ حَيْثُ لَا يَتَرَجَّحُ التَّصْرِيحُ بِحَسَبِ الْمَقَامِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنِ اللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ أَمْرٍ مُقَدَّرٍ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ لَا يَحْنَثُ كَمَنْ قَالَ لِمَنْ خَاصَمَ أَخَاهُ: وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ حَاضِرًا لَهَشَّمْتُ أَنْفَكَ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَفِيهِ جَوَازُ التَّوَجُّعِ لِمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بَعْدَ إِقَامَتِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْكَلْبِيِّ فِي قِصَّةِ أُمِّ عَمْرٍو بِنْتِ سُفْيَانَ أَنَّ امْرَأَةَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَوَتْهَا بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ وَصَنَعَتْ لَهَا طَعَامًا، وَأَنَّ أُسَيْدًا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ كَالْمُنْكِرِ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: رَحِمَتْهَا رَحِمَهَا اللَّهُ.
وَفِيهِ الِاعْتِبَارُ بِأَحْوَالِ مَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ: إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى تَحْذِيرٍ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ الَّذِي جَرَّ الْهَلَاكَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا لِئَلَّا نَهْلِكَ كَمَا هَلَكُوا وَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ لَمْ يَرِدْ قَطْعُ السَّارِقِ فِي شَرْعِنَا، وَأَمَّا اللَّفْظُ الْعَامُّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى أَصْلًا.
١٣ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ وَفِي كَمْ يُقْطَعُ؟ وَقَطَعَ عَلِيٌّ مِنْ الْكَفِّ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي امْرَأَةٍ سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ شِمَالُهَا: لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ.
٦٧٨٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
[الحديث ٦٧٨٩ - طرفاه في: ٦٧٩٠، ٦٧٩١]
٦٧٩٠ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ "عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ"
٦٧٩١ - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَتْهُ "أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ حَدَّثَتْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ"
٦٧٩٢ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ يَدَ السَّارِقِ