للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَوْ بِطَوَافِهِ الْعِبَادَةَ وَمُلَازَمَةَ الْغَرِيمِ.

وَاخْتَارَ الْغَزَّالِيُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّوَابِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الْأَغْلَبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْرٌ، أَوِ الدِّينِيُّ أُجِرَ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فَتَرَدَّدَ الْقَصْدُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَلَا أَجْرَ. وَأَمَّا إِذَا نَوَى الْعِبَادَةَ وَخَالَطَهَا شيء مِمَّا يُغَايِرُ الْإِخْلَاصَ فَقَدْ نَقَلَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالِابْتِدَاءِ، فَإِنْ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ لِلَّهِ خَالِصًا لَمْ يَضُرَّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ إِعْجَابٍ أَوْ غَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَمَلِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ يَكُونُ مُنْتَفِيًا إِذَا خَلَا عَنِ النِّيَّةِ، وَلَا يَصِحُّ نِيَّةُ فِعْلِ الشَّيْءِ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ حكمه، وَعَلَى أَنَّ الْغَافِلَ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِالْمَقْصُودِ وَالْغَافِلُ غَيْرُ قَاصِدٍ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ أَنْ لَا يُحْسَبَ لَهُ إِلَّا مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ، لَكِنْ تَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِانْعِطَافِهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا أَيْ: أَدْرَكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ أَوِ الْوَقْتَ، وَذَلِكَ بِالِانْعِطَافِ الَّذِي اقْتَضَاهُ فَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ الثِّقَةَ إِذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ جَمَاعَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ غَفْلَتُهُمْ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي صِدْقِهِ، خِلَافًا لِمَنْ أُعِلَّ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ عَلْقَمَةَ ذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ عَنْهُ غَيْرِ عَلْقَمَةَ.

وَاسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِعَمَلٍ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِيهِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ فَإِنَّ الرَّاجِحَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ، بِخِلَافِ مَا رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَخَالَفَهُمْ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ: الْجَمْعُ لَيْسَ بِعَمَلٍ، وَإِنَّمَا الْعَمَلُ الصَّلَاةُ. وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ جَمَعَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَلَمْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَأَعْلَمَهُمْ بِهِ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ مُضَافًا إِلَى سَبَبٍ وَيَجْمَعُ مُتَعَدِّدَهُ جِنْسٌ أَنَّ نِيَّةَ الْجِنْسِ تَكْفِي، كَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ كَوْنَهَا عَنْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِنِيَّاتِهَا، وَالْعَمَلُ هُنَا الْقِيَامُ بِالَّذِي يَخْرَجُ عَنِ الْكَفَّارَةِ اللَّازِمَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْوِجٍ إِلَى تَعْيِينِ سَبَبٍ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ - وَشَكَّ فِي سَبَبِهَا - أَجْزَأَهُ إِخْرَاجُهَا بِغَيْرِ تَعْيِينٍ. وَفِيهِ زِيَادَةُ النَّصِّ عَلَى السَّبَبِ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ فِي قِصَّةِ الْمُهَاجِرِ لِتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ، فَذِكْرُ الدُّنْيَا مع الْقِصَّةِ زِيَادَةٌ فِي التَّحْذِيرِ وَالتَّنْفِيرِ. وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فِيهِ إِطْلَاقُ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ خَاصًّا، فَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ كَثِيرٍ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ فَدَخَلَ فِيهِ الْعِبَادَاتُ وَالْأَحْكَامُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

٢ - باب

٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ. قَالَتْ عَائِشَةُ : وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.

[الحديث ٢ - أطرافه في: ٣٢١٥]

الحديث الثاني من أحاديث بدء الوحي:

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) هُوَ التِّنِّيسِيُّ، كَانَ نَزَلَ تِنِّيسَ مِنْ عَمَلِ مِصْرَ، وَأَصْلُهُ دِمَشْقِيٌّ، وَهُوَ مِنْ أَتْقَنِ النَّاسِ فِي الْمُوَطَّأِ، كَذَا وَصَفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ.

قَوْلُهُ: (أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ أَيْ: فِي الِاحْتِرَامِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لِلتَّغْلِيبِ، وَإِلَّا فَلَا مَان عَ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهَا: أُمُّ الْمُؤْمِنَاتِ، عَلَى الرَّاجِحِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ) هُوَ الْمَخْزُومِيُّ، أَخُو أَبِي جَهْلٍ شَقِيقُهُ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ،