للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ قَتْلِ الْيَمَانِ وَالِدِ حُذَيْفَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: اخْتَلَفَ عَلِيٌّ، وَعُمَرُ هَلْ تَجِبُ دِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ لَا؟ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ أَيْ بِالْوُجُوبِ، وَتَوْجِيهُهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ مَاتَ بِفِعْلِ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.

قُلْتُ: وَلَعَلَّ حُجَّتَهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ قِصَّةِ حُذَيْفَةَ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَنَّ وَالِدَ حُذَيْفَةَ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَتَلَهُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ إِرْسَالِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ أَيْضًا فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنِ الْخَطَأ، وَرَوَى مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ أَنَّ رَجُلًا زُحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَاتَ فَوَدَاهُ عَلِيٌّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ أُخْرَى مِنْهَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: إِنَّ دِيَتَهُ تَجِبُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ حَضَرَ وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَتَوْجِيهُهُ أَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمْ فَلَا يَتَعَدَّاهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ.

وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ أنَّهُ يُقَالُ لِوَلِيِّهِ: ادَّعِ عَلَى مَنْ شِئْتَ وَاحْلِفْ فَإِنْ حَلَفْتَ اسْتَحْقَقْتَ الدِّيَةَ، وَإِنْ نَكَلْتَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى النَّفْيِ وَسَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ، وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الدَّمَ لَا يَجِبُ إِلَّا بِالطَّلَبِ. وَمِنْهَا قَوْلُ مَالِكٍ: دَمُهُ هَدَرٌ، وَتَوْجِيهُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ بِعَيْنِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ أَحَدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الرَّاجِحِ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنِ الْخَطَأ.

قَوْلُهُ: (قَالَ هِشَامٌ أَخْبَرَنَا) مِنْ تَقْدِيمِ اسْمِ الرَّاوِي عَلَى الصِّيغَةِ وَهُوَ جَائِزٌ، وَهِشَامٌ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.

قَوْلُهُ: (فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ) تَقَدَّمَ شَرْحُ قِصَّتِهِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَقَوْلُهُ: قَالَ عُرْوَةُ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْعَفْوُ، ومِنْ سَبَبِيَّةٌ وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ أَيْضًا.

١٧ - بَاب إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلَا دِيَةَ لَهُ

٦٨٩١ - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ إِلَى خَيْبَرَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَسْمِعْنَا يَا عَامِرُ مِنْ هُنَياتِكَ، فَحَدَا بِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ : مَنْ السَّائِقُ؟ قَالُوا: عَامِرٌ، فَقَالَ: ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَّا أَمْتَعْتَنَا بِهِ؟ فَأُصِيبَ صَبِيحَةَ لَيْلَتِهِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: حَبِطَ عَمَلُهُ؛ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَهَا، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، وَأَيُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلَا دِيَةَ لَهُ) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: قُلْتُ: وَلَا إِذَا قَتَلَهَا عَمْدًا، يَعْنِي أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ خَطَأً وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبَخُارِيَّ إِنَّمَا قَيَّدَ بِالْخَطَأ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: تَجِبُ دَيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنْ عَاشَ فَهِيَ لَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ مَاتَ فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَقِصَّةُ عَامِرٍ هَذِهِ حُجَّةٌ لَهُمْ؛ إِذْ لَمْ يَنْقِلْ أَنَّ النَّبِيَّ أَوْجَبَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ لَهُ شَيْئًا، وَلَوْ وَجَبَ لَبَيَّنَهَا؛ إِذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ.

قَوْلُهُ: (عَنْ سَلَمَةَ) هُوَ ابْنُ الْأَكْوَعِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ هُنَيَّاتِكَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَ النُّونِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِحَذْفِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، وَعَامِرٌ هُوَ ابْنُ الْأَكْوَعِ فَهُوَ أَخُو سَلَمَةَ وَقِيلَ عَمُّهُ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: