للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَابِعِيَّانِ وَصَحَابِيَّانِ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ كَالَّذِي قَبْلَهُ، وَالْكَلَامُ عَلَى الْمَتْنِ يَأْتِي فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ، وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ مِنْ جِهَةِ تَأْوِيلِ الْقُمُصِ بِالدِّينِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي لُبْسِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَفَاضِلُونَ فِي الْإِيمَانِ.

قَوْلُهُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ) أَصْلُ بَيْنَا بَيْنَ ثُمَّ أُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ. وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ بَيْنَا بِدُونِ إِذَا وَبِدُونِ إِذْ، وَهُوَ فَصِيحٌ عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةً. وَقَوْلُهُ الثُّدِيَّ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ جَمْعُ ثَدْيٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ عِنْدَ مُعْظَمِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَحُكِيَ أَنَّهُ مُؤَنَّثٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُطْلَقُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّهُ، وَلَعَلَّ قَائِلَ هَذَا يَدَّعِي أَنَّهُ أُطْلِقَ فِي الْحَدِيثِ مَجَازًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١٦ - بَاب الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ

٢٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ Object مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ Object: دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ.

[الحديث ٢٤ - طرفه في: ٦١١٨]

قَوْلُهُ: (بَابٌ) هُوَ مُنَوَّنٌ، وَوَجْهُ كَوْنِ الْحَيَاءِ مِنَ الْإِيمَانِ تَقَدَّمَ مَعَ بَقِيَّةِ مَبَاحِثِهِ فِي بَابِ أُمُورِ الْإِيمَانِ، وَفَائِدَةُ إِعَادَتِهِ هُنَا أَنَّهُ ذُكِرَ هُنَاكَ بِالتَّبَعِيَّةِ وَهُنَا بِالْقَصْدِ مَعَ فَائِدَةِ مُغَايَرَةِ الطَّرِيقِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) هُوَ التِّنِّيسِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ، وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا) وَلِلْأَصِيلِيِّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَلِكَرِيمَةَ ابْنِ أَنَسٍ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

قَوْلُهُ: (مَرَّ عَلَى رَجُلٍ) لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ مَرَّ بِرَجُلٍ وَمَرَّ بِمَعْنَى اجْتَازَ يُعَدَّى بِعَلَى وَبِالْبَاءِ، وَلَمْ أَعْرِفِ اسْمَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ الْوَاعِظِ وَأَخِيهِ. وَقَوْلُهُ يَعِظُ أَيْ يَنْصَحُ أَوْ يُخَوِّفُ أَوْ يُذَكِّرُ، كَذَا شَرَحُوهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُشْرَحَ بِمَا جَاءَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَلَفْظُهُ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحِي، حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ لَهُ الْعِتَابَ وَالْوَعْظَ فَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ، لَكِنَّ الْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرَّاوِي بِحَسَبِ مَا اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ، وَفِي سَبَبِيَّةٌ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ كَثِيرَ الْحَيَاءِ فَكَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنِ اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ، فَعَاتَبَهُ أَخُوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ Object دَعْهُ أَيِ: اتْرُكْهُ عَلَى هَذَا الْخُلُقِ السُّنِّيِّ، ثُمَّ زَادَهُ فِي ذَلِكَ تَرْغِيبًا لِحُكْمِهِ بِأَنَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَإِذَا كَانَ الْحَيَاءُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ جَرَّ لَهُ ذَلِكَ تَحْصِيلَ أَجْرِ ذَلِكَ الْحَقِّ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ لَهُ مُسْتَحِقًّا. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانَ، فَسُمِّيَ إِيمَانًا كَمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا قَامَ مَقَامَهُ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ إِطْلَاقَ كَوْنِهِ مِنَ الْإِيمَانِ مَجَازٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاهِيَ مَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ، فَلِهَذَا وَقَعَ التَّأْكِيدُ، وَقَدْ يَكُونُ التَّأْكِيدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَضِيَّةَ فِي نَفْسِهَا مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُنْكَرٌ. قَالَ الرَّاغِبُ: الْحَيَاءُ انْقِبَاضُ النَّفْسِ عَنِ الْقَبِيحِ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِ لِيَرْتَدِعَ عَنِ ارْتِكَابِ كُلِّ مَا يَشْتَهِي فَلَا يَكُونُ كَالْبَهِيمَةِ. وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ جُبْنٍ وَعِفَّةٍ فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ الْمُسْتَحِي فَاسِقًا، وَقَلَّمَا يَكُونُ الشُّجَاعُ مُسْتَحِيًا، وَقَدْ يَكُونُ لِمُطْلَقِ الِانْقِبَاضِ كَمَا فِي بَعْضِ الصِّبْيَانِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ انْقِبَاضُ النَّفْسِ خَشْيَةَ ارْتِكَابِ مَا يُكْرَهُ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ